قرأ الجمهور: " سَلْ " وهي تحتمل وجهين: أحدهما: أن تكون من لغة: سال يسال، مثل: خَافَ يَخَافُ، وهل هذه الألف مبدلة من همزة، أو واو، أو ياء؟ خلاف تقدَّم في قوله:{ فَإِنَّ لَكُمْ مَّا سَأَلْتُمْ } [البقرة: 61] فحينئذٍ يكون الأمر منها: " سَلْ " مثل " خَفْ " لمَّا سكنت اللام حملاً للأمر على المجزوم، التقى ساكنان فحذفت العين لذلك، فوزنه على هذا فَلْ، وبهذا التقدير قرأ نافعٌ، وابن عامر " سَالَ سَائِلٌ " على وزن " قال " ، " وكان ". والثاني: أن تكون من سأل بالهمز. قال قطربٌ: سَأَلَ يَسْأَلُ مثل زَأر الأسد يَزْأَرُ، والأصل: اسأل ثم ألقيت حركة الهمزة على السِّين، تخفيفاً، واعتددنا بحركة النقل، فاستغنينا عن همزة الوصل فحذفناها، ووزنه أيضاً فَلْ بحذف العين، وإن اختلف المأخذ. وروى عباس عن أبي عمرو: " اسْأَلْ " على الأصل من غير نقلٍ. وقرأ قوم: " اسَلْ " بالنقل وهمزة الوصل، كأنَّهم لم يعتدُّوا بالحركة المنقولة كقولهم: " الَحْمَر " بالهمز. وقرأ بعضهم " سَلْ بَنِي إسْرَائِيلَ " بغير همزٍ، وقرأوا{ وَٱسْأَلِ ٱلْقَرْيَة } [يوسف: 82]{ فَاسْأَلِ ٱلَّذِينَ يَقْرَءُونَ ٱلْكِتَابَ } [يونس: 94]{ وَٱسْأَلُواْ ٱللَّهَ مِن فَضْلِهِ } [النساء: 32] بالهمزة، وقرأ الكسائيُّ الكلَّ بغير همزٍ اتِّباعاً للمصحف، فإنَّ الألف ساقطةٌ فيها أجمع، و " بني " مفعولٌ أول عند الجمهور. وقوله: " كم آتيناهم " في " كَمْ " وجهان: أحدهما: أنها في محل نصب. واختلف في ذلك فقيل: نصبها على أنها مفعولٌ ثانٍ لـ " آتيناهم " على مذهب الجمهور، وأول على مذهب السُّهيلي، كما تقدَّم. وقيل: يجوز أن ينتصب بفعل مقدَّر يفسِّره الفعل بعدها تقديره: كم آتينا آتيناهم، وإنما قدرنا ناصبها بعدها؛ لأنَّ الاستفهام له صدر الكلام، ولا يعمل فيه ما قبله، قاله ابن عطيَّة، يعني أنه عنده من باب الاشتغال، قال أبو حيَّان: وهذا غير جائزٍ إنْ كان " مِنْ آيةٍ " تمييزاً؛ لأن الفعل المفسِّر لم يعمل في ضمير " كَمْ " ولا في سببيها، وإذا لم يكن كذلك، امتنع أن يكون من بابا سببيِّه. ونظير ما أجازه أن تقول: " زَيْداً ضربْتُ " ويكون من باب الاشتغال، وهذا ما لم يجيزه أحد. فإن قلنا إنَّ تمييزها محذوف، وأطلقت " كَمْ " على القوم، جاز ذلك؛ لأنَّ في جملة الاشتغال ضمير الأول؛ لأنَّ التقدير: " كَمْ مِنْ قَوْم آتيناهُمْ " قال شهاب الدِّين: وهذا الذي قاله الشيخ من كونه لا يتمشَّى على كون " مِنْ آية " تمييزاً قد صرَّح به ابن عطيَّة فإنه قال " وقوله: " مِنْ آيةٍ " هو على التقدير الأول، مفعول ثان لآتيناهم، وعلى الثاني في موضع التمييز " يعني بالأول نصبها على الاشتغال، وبالثاني نصبها بما بعدها.