الرئيسية - التفاسير


* تفسير اللباب في علوم الكتاب/ ابن عادل (ت 880 هـ) مصنف و مدقق


{ يَٰـأَيُّهَا ٱلنَّاسُ ٱعْبُدُواْ رَبَّكُمُ ٱلَّذِي خَلَقَكُمْ وَٱلَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ } * { ٱلَّذِي جَعَلَ لَكُمُ ٱلأَرْضَ فِرَٰشاً وَٱلسَّمَاءَ بِنَآءً وَأَنزَلَ مِنَ ٱلسَّمَآءِ مَآءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ ٱلثَّمَرَٰتِ رِزْقاً لَّكُمْ فَلاَ تَجْعَلُواْ للَّهِ أَندَاداً وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ }

اعلم أنه - تعالى - لما بين أحكام الفِرَقِ الثلاث - أعني المؤمنين والكفار والمنافقين - أقبل عليهم بالخطاب وهو من باب " الالتفات ".

" يا " حرف نداء وهي أم الباب.

وزعم بعضهم أنها اسم فعل، وقد تحذف نحو:يُوسُفُ أَعْرِضْ عَنْ هَـٰذَا } [يوسف: 29].

وينادى بها المندوب والمستغاث. قال أبو حيان: " وعلى كثرة وقوع النداء في القرآن لم يقع نداء إلاَّ بها ".

وزعم بعضهم أن قراءة: { أَمَنْ هُوَ قَانِتٌ } [الزمر: 9] بتخفيف الميم أن الهمزة فيه للنداء، وهو غريب، وقد يراد بها مجرد التنبيه فيليها الجمل الاسمية والفعلية، قال تعالى: { أَلاَّ يَا اسْجُدُواْ } [النمل: 25] بتخفيف أَلاَ؛ وقال الشاعر: [الطويل]
272- أَلاَ يَا اسْقِيَانِي قَبْلَ غَارَةِ سِنْجَالِ   ..............................
وقال آخر: [البسيط]
273- يا لَعْنَةُ اللهِ وَالأَقْوَامِ كُلِّهِمُ   وَالصَّالِحِينَ عَلَى سمْعَانَ مِنْ جَارِ
و " أي " اسم منادى في محلّ نصب، ولكنه بني على " الضم "؛ لأنه مفرد معرفة، وزعم الأخفش أنها هنا موصولة، وأن المرفوع بعدها خبر مبتدأ مضمر، والجملة صلةٌ، والتقدير: " يا الَّذِين هُمُ النَّاس " ، والصحيح الأول، والمرفوع بعدها صفة لها، [والمشهور]: يلزم رفعه، ولا يجوز نصبه على المحلّ خلافاً للمازني.

و " ها " زائدة للتنبيه لازمة لها، والمشهور فتح هَائِهَا، ويجوز ضمُّها إتباعاً للياء، وقد قرأ ابن عامر بذلك في بعض المواضع نحو { أَيُّهُ المُؤْمِنُونَ } [النور: 31] والمرسوم يساعده.

ولا توصف " أي " هذه إلا بما فيه الألف واللام، أو بموصول هما فيه، أو باسم إشارة نحو:يَٰأَيُّهَا ٱلَّذِي نُزِّلَ عَلَيْهِ ٱلذِّكْرُ } [الحجر: 6] وقال الشاعر: [الطويل]
274- ألاَ أَيُّهَذَا النَّابِحُ السِّيدَ إِنَّنِي   عَلَى نَأْيهَا مُسْتَبْسِلٌ مِنْ وَرَائِهَا
وفسر بعضهم يا زيد: أنادي زيداً، وأخاطب زيداً، وهو خطأ من وجوه:

أحدها: أن قوله: " أنادي زيداً " خبر يحتمل الصدق والكذب، وقوله: يا زيد لا يحتملهما.

وثانيها: أن قولنا: " يا زيد " يقتضي أن زيداً منادى في الحال، و " أنادي زيداً " لا يقتضي ذلك.

وثالثها: أن قولنا: " يا زيد " يقتضي صيرورة زيد خاطباً هذا الخطاب، و " أنادي زيداً " لا يقتضي ذلك؛ لأنه لا يمكن أن يخبر إنساناً آخر بأن أنادي زيداً.

ورابعها: أن قولنا: أنادي زيداً إخبار عن النداء، والإخبار عن النداء غير النداء.

واعلم أن " يا " حرف وضع في أصله لنداء البعيد، وإن كان لنداء القريب، [لكن بسبب أمر مهم جدًّا، وأما نداء القريب فله: " أي " والهمزة] ثم استعمل في نداء من سها وغفل وإن قرب، تنزيلاً له منزلة البعيد.

فإن قيل: فلم يقول الداعي: " يا رب " ، " يا الله " وهو أقرب إليه من حبل الوريد؟

قلنا: هو استبعاد لنفسه من مَظَانّ الزُّلْفَى، إقراراً على نفسه بالتقصير.

السابقالتالي
2 3 4 5 6 7 8 9 10  مزيد