الرئيسية - التفاسير


* تفسير اللباب في علوم الكتاب/ ابن عادل (ت 880 هـ) مصنف و مدقق


{ يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ ٱدْخُلُواْ فِي ٱلسِّلْمِ كَآفَّةً وَلاَ تَتَّبِعُواْ خُطُوَاتِ ٱلشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ } * { فَإِن زَلَلْتُمْ مِّن بَعْدِ مَا جَآءَتْكُمُ ٱلْبَيِّنَاتُ فَٱعْلَمُوۤاْ أَنَّ ٱللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ }

قوله: " السِّلْم " قرأ هنا " السَّلْم " بالفتح نافعٌ، والكِسائيُّ، وابنُ كثيرٍ، والبَاقُونَ بالكَسْر، وأمَّا التي في الأَنْفال [آية 61] فلم يَقْرَأْها بالكَسْرِ إلاَّ أَبُو بكرٍ وحدَه، عَنْ عاصِمٍ، والتي في القِتال [آية: 35] فلم يَقْرَأْها بالكَسْرِ إلاَّ حمزةُ وأَبُو بكرٍ أيضاً، وسيأتي. فقِيل: هَما بمعنىً، وهو الصلحُ مثل رَطْل ورِطْل وجَسْر وجِسْر وهو يُذَكَّر ويُؤَنَّث، قال تعالى:وَإِن جَنَحُواْ لِلسَّلْمِ فَٱجْنَحْ لَهَا } ، وحَكَوْا: " بَنُو فُلانٍ سِلْمٌ، وسَلْمٌ " ، وأصلُه من الاسْتِسْلاَمِ، وهو الانقيادُ، قال تعالى:إِذْ قَالَ لَهُ رَبُّهُ أَسْلِمْ قَالَ أَسْلَمْتُ لِرَبِّ ٱلْعَالَمِينَ } [البقرة: 131] الإسلامُ: إسلامٌ الهدى، والسِّلْم على الصُّلْحِ، وترك الحرب راجع إلى هذا المعنى؛ لأَنَّ كُلَّ واحدٍ كَصَاحِبهِ، ويُطْلَقُ على الإِسلاَم قاله الكِسَائي وجماعةٌ؛ وأنشدوا: [الوافر]
1022 - دَعَوْتُ عَشِيرَتِي لِلسِّلْمِ لَمَّا   رَأيْتُهُمُ تَوَلَّوا مُدْبِرينَا
يُنْشَدُ بالكَسْرِ، وقال آخرُ في المفتُوحِ: [البسيط]
1023 - شَرَائِعُ السَّلْمِ قَدْ بَانَتْ مَعَالِمُهَا   فَما يَرَى الكُفْرَ إِلاَّ مَنْ بِه خَبَلُ
فالسِّلْمُ والسَّلْمُ في هذين البيتَيْنِ بمعنى الإِسْلاَم، إلاَّ أنَّ الفَتْحَ فيما هو بمعنى الإِسلام قليل، وقرأ الأَعْمشُ بفتح السِّين واللامِ " السَّلَم ".

وقيل: بل هما مختلفا المعنى: فبالكَسْرِ الإِسلامُ، وبالفتحِ الصلحُ.

قال أبُو عُبَيدة: وفيه ثلاثُ لُغَاتٍ: السَّلْم والسِّلْم والسُّلْم بالفَتْح والكَسْر والضمِّ.

" كافةً " مَنْصُوبٌ على الحالِ، وفي صَاحِبهَا ثلاثةُ أقوالٍ.

أظهرها: أنه الفاعلُ في " ادْخُلُوا " ، والمعنَى: ادخُلُوا السِّلْم جميعاً، وهذه حالٌ تُؤَكِّدُ معنى العمومِ، فإنَّ قولَكَ: " قام القومُ كافةً " بمنزلةِ: قَامُوا كلُّهم.

والثاني: أنه " السِّلْمُ " قالهُ الزَّمخشريُّ، وأَبُوا البقاءِ، قال الزمخشريُّ: ويَجُوزُ أن تكونَ " كافةً " حالاً من " السِّلْمِ "؛ لأنها تُؤَنَّثُ كما تُؤَنَّثُ الحَرْبُ؛ قال الشاعر: [البسيط]
1024 - السِّلْمُ تَأْخُذُ مِنْهَا مَا رَضِيتَ بِهِ   والحَرْبُ يَكْفِيكَ مِنْ أَنْفَاسِها جُرَعُ
على أنَّ المؤمنينَ أُمِرُوا أَنْ يدْخُلُوا في الطاعاتِ كُلِّها، ولا يَدْخُلوا في طَاعةٍ دونَ طاعةٍ، قال أَبُو حيَّان تَعْلِيلُه كونُ " كافةً " حالاً مِنَ " السِّلْم " بقولِه: " لأَنَّها تُؤَنَّثُ كما تُؤَنَّثُ الحرب " ليس بشيءٍ؛ لأنَّ التاءَ في " كَافَّة " ليست للتأنيثِ، وإن كان أَصْلُها أَنْ تَدُلَّ عليه، بل صار هذا نقلاً مَحْضاً إِلى مَعْنَى جميعٍ وكُلٍّ، كما صار قاطبةً وعامَّة، إذا كانَ حالاً نَقْلاً مَحْضاً.

فإذا قلت: " قامَ الناسُ كَافةً، وقَاطِبةً " لم يَدُلَّ شيءٌ من ذلك على التأْنِيثِ، كما لا يَدُلُّ عليه " كُلّ " و " جميع ".

والثالث: أَنْ يكونَ صاحبُ الحالِ هما جَمِيعاً: أَعْنِي فاعلَ " ادْخُلُوا " و " السِّلْم " فتكونُ حالاً مِنْ شَيْئَين.

وهذا ما أجازه ابنُ عطيةَ فإنه قال: وتَسْتَغْرقُ " كافة " حنيئذٍ المؤمِنين، وجميعَ أجزاءِ الشَّرْع، فتكونُ الحالُ مِنْ شَيْئَيْن وذلك جائِزٌ نحو قولِهِ:

السابقالتالي
2 3 4 5 6