الرئيسية - التفاسير


* تفسير اللباب في علوم الكتاب/ ابن عادل (ت 880 هـ) مصنف و مدقق


{ الۤـمۤ } * { ذَلِكَ ٱلْكِتَابُ لاَ رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِّلْمُتَّقِينَ }

إن قيل: إن الحروف المقطّعة في أوائل السور أسماء حروف التهجِّي، بمعنى أن الميم اسم لـ " مَهْ " والعين لـ " عَهْ " ، وإن فائدتها إعلامهم بأن هذا القرآن منتظمٌ من جنس ما تنتظمون من كلامكم، ولكن عجزتم عنه، فلا محلّ لها حينئذ من الإعراب، وإنما جيء بها لهذه الفائدة، فألقيت كأسماء الأعداد ونحو: " واحد اثنان " ، وهذا أصح الأقوال الثلاثة، أعني أن في الأسماء التي لم يقصد الإخبار عنها ولا بها ثلاثة أقوال:

أحدها: ما تقدم.

والثاني: أنها معربة، بمعنى أنها صالحة للإعراب، وإنما فات شرطه وهو التركيب، وإليه مال الزمخشري رحمه الله.

والثالث: أنها موقوفة أي لا معربة ولا مبنيةٌ.

أو إن قيل: إنها أسماء السور المفتتحة بها، أو إنها بعض أسماء الله - تعالى - حذف بعضها، وبقي منها هذه الحروف دالّة عليها وهو رأي ابن عَبّاس - رضي الله تعالى عنهما - كقوله: الميم من " عليهم " ، والصاد من " صادق " ، فلها حينئذ محلّ من الإعراب ويحتمل الرفع والنصب والجر:

فالرفع على أحد وجهين: إما بكونها مبتدأ، وإما بكونها خبراً كما سيأتي بيانه مفصلاً إن شاء الله تعالى.

والنصب على أحد وجهين أيضاً: إما بإضمار فعلٍ لائقٍ، تقديره: اقرءوا: " الم " ، وإما بإسقاط حرف القسم؛ كقول الشاعر: [الوافر]
97- إِذا مَا الْخُبْزُ تَأْدِمُهُ بِلَحْمٍ   فَذَاكَ أَمَانَةَ اللهِ الثَّرِيدُ
يريد: وأَمَانَةِ اللهِ.

وكذلك هذه الحروف أقسم الله بها.

وقد رد الزَّمَخْشَرِيّ هذا الوجه بما معناه: أنّ القرآن في:صۤ وَٱلْقُرْآنِ ذِي ٱلذِّكْرِ } [ص: 1] والقلم فينۤ وَٱلْقَلَمِ وَمَا يَسْطُرُونَ } [القلم: 1] محلوف بهما لظهور الجرّ فيهما، وحينئذ لا يخلو أن تُجْعَل الواو الداخلة عليها للقسم، أو للعطف، والأول يلزم منه محذور، وهو الجمع بين قسمين على مقسم قال: [وهم يستكرهون] ذلك.

والثاني ممنوع، لظهور الجَرّ فيما بعدها، والفرض أنك قدرت المعطوف عليه من مَحَلّ نصب، وهو رَدّ واضح، إلا أن يقال: في محلّ نصب إلا فيما ظهر فيه الجر [فيما بعده] كالموضعين المتقدمين؛حـمۤ وَٱلْكِتَابِ } [الزخرف: 1-2]، وقۤ وَٱلْقُرْءَانِ } [ق: 1] ولكن القائل بذلك لم يفرق بين موضع وموضع، فالرد لازم كله.

والجَرّ من وجهٍ واحدٍ، وهو أنها مقسم بها، حذف حرف القسم، وبقي عمله كقولهم: " اللهِ لأفعلنَّ " أجاز ذلك الزمخشري، وأبو البقاء رحمهما الله، وهذا ضعيف؛ لأن ذلك من خصائص الجَلاَلَة المعظمة لا يشاركها فيه غيرها.

فتخلص مما تقدم أن في " الم " ونحوها ستة أوجه وهي: أنها لا محل لها من الإعراب، أَوْ لَهَا محل، وهو الرفع بالابتداء، أو الخبر.

والنَّصْب بإضمار فعل، أو حذف حرف القسم.

السابقالتالي
2 3 4 5 6 7 8 9 10  مزيد