الرئيسية - التفاسير


* تفسير اللباب في علوم الكتاب/ ابن عادل (ت 880 هـ) مصنف و مدقق


{ شَهْرُ رَمَضَانَ ٱلَّذِيۤ أُنْزِلَ فِيهِ ٱلْقُرْآنُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ ٱلْهُدَىٰ وَٱلْفُرْقَانِ فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ ٱلشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَن كَانَ مَرِيضاً أَوْ عَلَىٰ سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ يُرِيدُ ٱللَّهُ بِكُمُ ٱلْيُسْرَ وَلاَ يُرِيدُ بِكُمُ ٱلْعُسْرَ وَلِتُكْمِلُواْ ٱلْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُواْ ٱللَّهَ عَلَىٰ مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ }

قوله تعالى: { شَهْرُ رَمَضَانَ }: فيه قراءتان:

المشهور الرفع، وفيه أوجه:

أحدها: أنه مبتدأ، وفي خبره حينئذ قولان:

الأول: أنه قوله { ٱلَّذِيۤ أُنْزِلَ فِيهِ ٱلْقُرْآنُ } ويكون قد ذَكَرَ هذه الجملة مُنَبِّهَةً على فضله ومنزلته، يعني أن هذا الشهر الذي أنزل فيه القرآن هو الذي فرض عليكم صومه.

قال أبو عليٍّ: والأشبه أن يكون " الَّذِي " وصفاً؛ ليكون لفظ القرآن نصّاً في الأمر بصوم شهر رمضان؛ لأنَّك إن جعلته خبراً، لم يكن شهر رمضان منصوصاً على صومه بهذا اللفظ، وإنما يكون مخبراً عنه بإنزال القرآن الكريم فيه، وإذا جعلنا " الَّذِي " وصفاً، كان حقُّ النظم أن يكني عن الشَّهر لا أن يظهر؛ كقولك: " شَهْرُ رَمَضَانَ المُبَارَكُ مَنْ شَهِدَهُ فَلْيَصُمْهُ ".

والقول الثاني: أنه قوله { فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ } وتكون الفاء زائدة على رأي الأخفش، وليست هذه الفاء التي تزاد في الخبر لشبه المبتدأ بالشرط، وإن كان بعضهم زعم أنها مثل قوله:قُلْ إِنَّ ٱلْمَوْتَ ٱلَّذِي تَفِرُّونَ مِنْهُ فَإِنَّهُ مُلاَقِيكُمْ } [الجمعة: 8] وليس كذلك؛ لأن قوله: { ٱلْمَوْتَ ٱلَّذِي تَفِرُّونَ مِنْهُ } يُتَوَهَّمُ فيه عمومٌ؛ بخلاف شهر رمضان، فإن قيل: أين الرابط بين هذه الجملة وبين المبتدأ؟ قيل: تكرار المبتدأ بلفظه؛ كقوله: [الخفيف]
938 - لاَ أَرَى المَوْتَ يَسْبِقُ المَوْتَ شَيْء   .........................
وهذا الإعراب - أعني كون " شَهْرُ رَمَضَانَ " مبتدأً - على قولنا: إن الأيام المعدودات هي غير شهر رمضان، أمَّا إذا قلنا: إنها نفس رمضان، ففيه وجهان:

أحدهما: أن يكون خبر مبتدأ محذوفٍ.

فقدَّره الفرَّاء: ذَلِكُمْ شَهْرُ رَمَضَانَ، وقدَّره الأخفش: المكتوب شهر رمضان.

والثاني: أن يكون بدلاً من قوله " الصِّيَامُ " ، أي: كُتِبَ عَلَيْكُمْ شَهْرُ رمَضَانَ، وهذا الوجه، وإن كان ذهب إليه الكسائيُّ بعيدٌ جدّاً؛ لوجهين:

أحدهما: كثرة الفصل بين البدل والمبدل منه.

والثاني: أنَّه لا يكون إذا ذاك إلاَّ من بدل الإشمال، وهو عكس بدل الاشتمال، لأنَّ بدل الاشتمال غالباً بالمصادر؛ كقوله:يَسْأَلُونَكَ عَنِ ٱلشَّهْرِ ٱلْحَرَامِ قِتَالٍ فِيهِ } [البقرة: 217]، وقول الأعشى: [الطويل]
939 - لَقَدْ كَانَ في حَوْلٍ ثَوَاءٍ ثَوَيْتُهُ   تَقَضِّي لُبَانَاتٍ وَيَسْأمُ سَائِمُ
وهذا قد أُبْدِلَ فيه الظرفُ من المصْدَرِ، ويمكن أن يُوَجَّهَ قوله بأنَّ الكلامَ على حذفِ مضافٍ، تقديره: صيامُ شَهْرِ رَمَضَانَ؛ وحينئذٍ: يكون من باب بَدَلِ الشَّيء من الشَّيْءِ، وهما لعينٍ واحدة، ويجوزُ أن يكون الرَّفع على البدلِ من قوله " أَيَّاماً مَعْدُوداتٍ " في قراءة من رَفَعَ " أيَّاماً " ، وهي قراءة عبد الله، وفيه بُعْدٌ.

والقراءة الثانية: النصْبُ، وفيه أوجهٌ:

أجودها: النصبُ بإضمار فعلٍ، أي: صُوموا شَهْر رَمَضَانَ.

الثاني - وذكره الأخفشُ والرُّمَّانِيُّ -: أن يكون بدلاً من قوله " أَيَّاماً مَعْدُودَاتٍ " ، وهذا يُقَوِّي كون الأيام المعدُودَاتِ هي رمضان، إلا أن فيه بُعْداً من حيث كثرةُ الفَصْلِ.

السابقالتالي
2 3 4 5 6 7 8 9 10  مزيد