الرئيسية - التفاسير


* تفسير اللباب في علوم الكتاب/ ابن عادل (ت 880 هـ) مصنف و مدقق


{ كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ ٱلْمَوْتُ إِن تَرَكَ خَيْراً ٱلْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَٱلأَقْرَبِينَ بِٱلْمَعْرُوفِ حَقّاً عَلَى ٱلْمُتَّقِينَ }

قال القُرطبيُّ في الكلام تقدير واو العطف، أي: { وَكُتِبَ عَلَيْكُمْ } ، فلما طال الكلامُ، سقطَت الواو، ومثله في بعض الأَقوال:لاَ يَصْلاَهَآ إِلاَّ ٱلأَشْقَى ٱلَّذِي كَذَّبَ وَتَوَلَّىٰ } [الليل: 15، 16]، أي: والذي تَوَلَّى فحذف.

وقوله: " كُتِبَ " مبنيٌّ للمفعول، وحذف الفاعل للعلم به، وهو الله تعالى وللاختصار.

وفي القائم مقام الفاعل ثلاثةُ أوجُه:

أحدها: أن يكون الوصيَّة، أي: " كتِبَ عَلَيْكُمْ الوصِيَّة " وجاز تذكير الفعل لوجهين:

أحدها: كونُ القائمِ مقامَ الفاعل مؤنَّثاً مجازياً.

والثاني: الفصل بيْنه وبيْن مَرْفُوعه.

والثاني: أنَّهُ الإيصاءُ المدلُول عليه بقوله: { ٱلْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ } أي: كُتِبَ هو أي: الإيصاءُ، وكذلك ذكرُ الضَّمير في قوله:فَمَن بَدَّلَهُ بَعْدَمَا سَمِعَهُ } [البقرة: 181] وأيضاً: أنَّه ذكر الفِعلْل، وفصل بيْن الفِعل والوصيَّة؛ لأَنَّ الكلام، لمَّا طال، كان الفَاصِلُ بين المؤنَّث والفعْل، كالمعوَّض من تاءِ التَّأنيث، والعَرَبُ تَقُولُ: حَضَرَ القاضِيَ امرأَةٌ فيذكرون؛ لأنَّ القَاضِي فصَل بيْن الفعل وبيْن المرأة.

والثَّالِثُ: أنه الجارُّ والمجرُور، وهذا يتَّجِه على رأي الأخفش، والكوفيين، و " عَلَيْكُم " في محلِّ رفع على هذا القول، وفي محلِّ نَصبٍ على القولَين الأَوَّلين.

قوله تعالى: " إذَا حَضَر " العامل في " إِذَا " كُتِبَ " على أَنَّها ظَرف مَحْض وليس متضمِّناً للشَّرط، كَأَنَّهُ قيل: " كُتِبَ عَلَيْكُمْ الوَصِيَّةُ وَقْتَ حُضُورِ المَوْتِ " ولا يجوز أنْ يكُون العامل فيه لفظ " الوَصيَّة "؛ لأنَّها مصدرٌ، ومعمولُ المصدر لا يتقدَّم عليه لانحلاله لموصولٍ وصلةٍ، إلاَّ على مَذِهب منَ يَرَى التَّوسُّع في الظَّرف وعديله، وهو أبو الحسن؛ فإنَّه لا يَمْنعُ ذلك، فيكُون التَّقْديِرُ: " كُتِبَ عَلَيْكمْ أنْ توصوا وقت حضور الموت ".

وقال ابنُ عطيَّة ويتَّجِه في إعراب هذه الآية الكريمة: أن يكون " كُتِبَ " هو العامِلَ في " إِذَا " ، والمعنى: " تَوَجَّه علَيْكم إيجابُ اللَّهِ، ومقتضى كتابِهِ، إذا حَضَر " فعبّر عن توجُّه الإيجاب بـ " كُتِبَ " لينتظم إلى هذا المعنى: أَنَّهُ مكتوبٌ في الأَزَلِ، و " الوَصِيَّة " مفعولٌ لم يسمَّ فاعلُه بـ " كُتِبَ " وجواب الشَّرطين " إِنْ " و " إِذَا " مقدَّر يدلُّ عليه ما تَقَدَّم مِنْ قوله " كُتِبَ ".

قال أبو حيان وفي هذا تناقصٌ؛ لأنَّهُ جعل العَامِل في " إِذَا " كُتِبَ " ، وذلك يستلزمُ أن يكُون إذا ظرفاً محضاً غيرَ متضمِّن للشَّرطِ، وهذا يناقضُ قوله: " وجواب " إذا و " إن " محذوف؛ لأنَّ إذا الشَّرطية لا يعملُ فيها إلاّ جوابُها، أو فعلُها الشرطيُّ، و " كُتِبَ ": ليْسَ أحدهُمَا، فإن قيل: قومٌ يُجِيزُون تقدِيم جوابِ الشَّرط، فيكُونُ " كُتِبَ " هو الجوابَ، ولكنَّهُ تَقَدَّم، وهو عاملٌ في " إِذَا " ، فيكون ابنُ عطيَّة يقُول بهذا القَوْل.

السابقالتالي
2 3 4 5 6 7 8 9