الرئيسية - التفاسير


* تفسير اللباب في علوم الكتاب/ ابن عادل (ت 880 هـ) مصنف و مدقق


{ يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ ٱلْقِصَاصُ فِي ٱلْقَتْلَى ٱلْحُرُّ بِالْحُرِّ وَٱلْعَبْدُ بِٱلْعَبْدِ وَٱلأُنثَىٰ بِٱلأُنْثَىٰ فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَٱتِّبَاعٌ بِٱلْمَعْرُوفِ وَأَدَآءٌ إِلَيْهِ بِإِحْسَانٍ ذٰلِكَ تَخْفِيفٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَرَحْمَةٌ فَمَنِ ٱعْتَدَىٰ بَعْدَ ذٰلِكَ فَلَهُ عَذَابٌ أَلِيمٌ }

قوله " في القَتْلَى " ، أي: بسبب القَتْلَى و " في " تكون للسَّببية؛ كقوله - عليه السَّلام - " إنَّ امْرَأَةً َدَخَلَتِ النَّار في هِرَّةٍ " ، أي: بسببها، و " فَعَلَى " يطَّردُ أن يكون جمعاً لفعيل، بمعنى مفعول، وقد تقدَّم شيءٌ من هذا عند قولهوَإِن يَأتُوكُمْ أُسَارَىٰ } [البقرة: 85].

فصل في بيان سبب النزول

في سبب النزول وجوه:

أحدها: إزالة الأحكام التي كانت ثابتة قبل البعثة، وذلك أن اليهود كانوا يوجبون القتل فقط، والنصارى كانوا يوجبون العفو فقط، والعرب تارةً كانوا يوجبون القتل، وتارة يوجبون الدِّية، لكنَّهم كانوا يظهرون التعدِّي، فأما القتل؛ فكانوا إذا وقع القتل بين قبيلتين: أحدهما أشرف من الأخرى، فكان الأشراف يقولون: " لنَقْتُلَنَّ بالعَبْدِ مِنَّا الحُرَّ مِنْهُمْ، وبالمَرْأَةِ مِنَّا الرَّجُلَ مِنْهُمْ، وَبِالرَّجُلِ مِنَّا الرَّجُلَيْنِ مِنْهُمْ " وربما زادوا على ذلك، وينكحون نساءهم بغير مهورٍ؛ قاله سعيد بن جُبَيْرٍ.

يروى أن واحداً من الأشراف قتل له ولد، فاجتمع أقارب القاتل عند والد المقتول، فقالوا له: ما تُرِيدُ؟ فقال: إحدى ثلاثٍ، فقالوا: ما هي؟ قال: إما تُحْيُونَ لِي وَلَدِي، أو تَمْلَئُونَ دَارِي من نُجُومِ السَّمَاءِ، أو تَدْفَعُونَ إليَّ جُملَةَ قَوْمِكُمْ؛ حَتَّى أقْتُلَهُمْ، ثم لا أَرَى أَنِّي أخذت عوضاً.

وأمَّا أمر الدِّية، فربمَّا جعلوا دية الشَّريف أضعاف دية الخسيس، فلما بعث الله تعالى محمَّداً صلى الله عليه وسلم أوجب رعاية العدل، وسوَّى بين عباده في حكم القصاص، وأنزل الله هذه الآية.

الوجه الثاني: قال السُّدِّيّ: إن قريظة والنَّضير كانوا مع تديُّنهم بالكتاب، سلكوا طريقة العرب، فنزلت الآية.

الوجه الثالث: نزلت في واقعة قتل حمزة - رضي الله عنه -.

الوجه الرابع: روى محمَّد بن جرير الطبريُّ، عن علي بن أبي طالب - رضي الله عنه -، وعن الحسن البصريِّ: أن المقصود من هذه الآية الكريمة التسوية بين الحُرَّين والعبدين والأُنثيين في القصاص، فأما إذا كان القاتل للعبد حرًّا، أو للحرِّ عبداً، فإنه يجب مع القصاص التراجع، وأما حرٌّ قتل عبداً، فهو قوده، فإن شاء أولياء العبد أن يقتلوا الحرَّ، قتلوه بشرط أن يسقطوا ثمن العبد من دية الحر ويردوا إلى أولياء الحر بقيَّة ديته، وإن قتل عبد حراً، فهو به قودٌ، فإن شاء أولياء الحرِّ، قتلوا العبد، وأسقطوا قيمة العبد من دية الحُرِّ، وأدَّوا بعد ذلك إلى أولياء الحُرِّ بقيَّة ديته، وإن شاءوا أخذوا كلَّ الدية، وتركوا كل العبد، وإن قتل رجلٌ امرأة، فهو بها قودٌ، فإن شاء أولياء المرأة، قتلوه، وأدَّوا نصف الدية، وإن شاءوا، أعطوا كلَّ الدية، وتركوها، فالآية الكريمة نزلت لبيان أن الاكتفاء بالقصاص مشروع بين الحرَّين، [والعبدين والأنثيين، والذكرين، فأما عند اختلاف الجنس، فالاكتفاء غير مشروع فيه].

السابقالتالي
2 3 4 5 6 7 8 9 10  مزيد