الرئيسية - التفاسير


* تفسير اللباب في علوم الكتاب/ ابن عادل (ت 880 هـ) مصنف و مدقق


{ وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ ٱتَّبِعُوا مَآ أَنزَلَ ٱللَّهُ قَالُواْ بَلْ نَتَّبِعُ مَآ أَلْفَيْنَا عَلَيْهِ آبَآءَنَآ أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لاَ يَعْقِلُونَ شَيْئاً وَلاَ يَهْتَدُونَ }

الضمير في " لَهُمْ " فيه أربعة أقوال:

أحدها: أنه يعود على " مَنْ في قولهمَن يَتَّخِذُ } [البقرة: 165].

الثاني: قال بعض المفسِّرين: نزلت في مشركي العرب، فعلى هذا: الآية متَّصلة بما قبلها، ويعود الضمير عليهم؛ لأنَّ هذا حالهم.

الثالث: أنه يعود على اليهود؛ لأنَّهم أشدُّ الناس اتِّباعاً لأسلافهم.

روي عن ابن عبَّاس قال: دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم اليهود إلى الإسلام، فقال رافع بن خارجة، ومالك بن عوفٍ: " بَلْ نَتَّبِعُ مَآ أَلْفَيْنَا عَلَيْهِ آبَآءَنَآ فهم كانوا خيراً منَّا، وأَعْلَمَ منَّا " فأنزل الله هذه الآية الكريمة.

وقال بعضهم: هذه قصَّةٌ مستأنفةٌ، والهاء والميم في " لَهُمْ " كناية عن غير مذكور.

الرابع: أنه يعود على " النَّاس " في قوله " يَأَيُّهَا النَّاسُ " قاله الطبريُّ، وهو ظاهرٌ إلاَّ أن ذلك من باب الالتفات من الخطاب إلى الغيبة، وحكمته: أنَّهم أبرزوا في صورة الغائب الذي يتعجَّب من فعله، حيث دعي إلى شريعة الله تعالى والنُّور والهدى، فأجاب باتِّباع شريعة أبيه.

قوله: " بَلْ نَتَّبعُ " " بَلْ " ههنا: عاطفةٌ هذه الجملة على جملة محذوفةٍ قبلها، تقديره:

" لا نَتَّبعُ ما أَنْزَلَ اللَّهُ، بل نَتَّبعُ كذا " ولا يجوز أن تكون معطوفةً على قوله: " اتَّبعوا " لفساده، وقال أبُو البَقَاءِ: " بل " هنا للإضراب [عن الأوَّل، أي: " لاَ نَتَّبعَ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ " ، وليس بخروج من قصَّة إلى قصَّة، يعني بذلك: أنه إضراب إبطال]، لا إضراب انتقالٍ؛ وعلى هذا، فيقال: كلُّ إضرابٍ في القرآن الكريم، فالمراد به الانتقال من قصًّةٍ إلى قصَّةٍ إلاَّ في هذه الآية، وإلاَّ في قوله:أَمْ يَقُولُونَ ٱفْتَرَاهُ بَلْ هُوَ ٱلْحَقُّ } [السجدة: 3]، فإنه محتملٌ للأمرين؛ فإن اعتبرت قوله: " أمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ " ، كان إضراب انتقالٍ، وإذا اعتبرت " افْتَرَاهُ " وحده، كان إضراب إبطالٍ.

والكسائيُّ يدغم لام " هَلْ " و " بَلْ " في ثمانية أحرفٍ:

التاء؛ كقوله:بَلْ تُؤْثِرُونَ } [الأعلى: 16] والنُّون: " بَلْ نَتَّبعُ " والثَّاء "هَلْ ثُوِّبَ } [المطففين: 36] والسِّين:بَلْ سَوَّلَتْ } [يوسف: 18]، والزَّاي:بَلْ زُيِّنَ } [الرعد: 33]، والضَّاد:بَلْ ضَلُّواْ } [الأحقاف: 28] والظَّاء:بَلْ ظَنَنتُمْ } [الفتح: 12] والطَّاء:بَلْ طَبَعَ ٱللَّهُ } [النساء: 155]، وأكثر القرَّاء على الإظهار، ووافقه حمزة في التاء والسين، والإظهار هوالأصل.

قوله: " أَلْفَيْنَا " في " أَلْفَى " هنا قولان:

أحدهما: أنَّها متعدِّية إلى مفعولٍ واحدٍ، لأنها بمعنى " وَجَدَ " التي بمعنى " أَصَابَ "؛ بدليل قوله في آية أخرى:بَلْ نَتَّبِعُ مَا وَجَدْنَا عَلَيْهِ ءَابَآءَنَا } [لقمان: 21] وقوله:وَأَلْفَيَا سَيِّدَهَا لَدَى ٱلْبَابِ } [يوسف: 35] وقولهم:إِنَّهُمْ أَلْفَوْاْ ءَابَآءَهُمْ ضَآلِّينَ } [الصافات: 69]، فعلى هذا: يكون " عَلَيْهِ " متعلِّقاً بقوله: " أَلْفَيْنَا ".

السابقالتالي
2 3 4