الرئيسية - التفاسير


* تفسير اللباب في علوم الكتاب/ ابن عادل (ت 880 هـ) مصنف و مدقق


{ يٰأَيُّهَا ٱلنَّاسُ كُلُواْ مِمَّا فِي ٱلأَرْضِ حَلاَلاً طَيِّباً وَلاَ تَتَّبِعُواْ خُطُوَاتِ ٱلشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ } * { إِنَّمَا يَأْمُرُكُمْ بِٱلسُّوۤءِ وَٱلْفَحْشَآءِ وَأَن تَقُولُواْ عَلَى ٱللَّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ }

لَمَا بيَّن التوحيد ودلائلهُ وما للموحِّدين مِنَ الثواب وأتبعه بذكر الشِّرك، أتبع ذلك بذكر إنعامه على الفريقين وأنَّ معصية مَنْ عَصَاه، وكُفْر من كَفَر به، لم تُؤَثِّر في قطع نعمه وإحسَانه إِلَيهمْ.

قال ابن عبَّاس رضي الله عنهما: هذه الآية نزلت في قومٍ من ثقيف، وبني عامر بن صَعْصعَة، وخُزَاعة، وبني مُدْلجٍ، حَرَّموا على أنفسُهم مِنَ الحَرثِ، والبحائِرِ، والسَّوائِب، والوَصَائِلَ والحَامِ.

قوله تعالى " { مِمَّا فِي ٱلأَرْضِ حَلاَلاً طَيِّباً } حَلالاً فيه خَمْسَة أوجُهٍ:

أحدها: أن يكون مفعولاً بـ " كُلُوا " و " مِنْ " على هذا فيها وجهان:

أحدهما: أنْ تتعلَّق بـ " كُلُوا " ويكون معناها ابتداء الغاية.

الثاني: أنْ تتعلَّق بمحذوفٍ على أنَّها حالٌ من " حلالاً " [وكانت في الأصلِ صفةً له، فَلَمَّا قُدَّمَتْ عليه، انتصَبَتْ حالاً] ويكون معنى " مِن " التَّبْعِيضَ.

الثاني: أنْ يكون انتصابُ " حَلاَلاً " على أنَّه نعتٌ لمفعولٍ محذوف، تقديرُهُ: شيئاً أو رِزْقاً حَلاَلاً، ذكَرَه مَكِّيٌّ واستعبده ابن عطيَّة ولم يبيِّن وجه بُعْده، والذي يظهرُ في بُعْده أَنَّ " حَلاَلاً " ليس صفةً خاصَّة بالمأْكُول بل يُوصَف به المأكُول وغيره وإذا لم تكُن الصفة خاصَّة، لا يجوز حذف الموصول.

الثالث: أن ينتصب " حلالاً " على أنَّه حالٌ من " مَا " بمعنى: " الَّذي " ، أي: كُلُوا من الَّذي في الأرض حال كونه حلالاً.

الرابع: أن ينتصب على أنه نعت لمصدر محذوف، [أي: أكلاً حلالاً، ويكون مفعول " كُلُوا " محذوفاً، و " ما في الأرض " صفةً لذلك المفعول المحذوف]، ذكره أبو البقاء وفيه من الرَّدِّ ما تقدِّم على مَكِّيٍّ، ويجوز على هذا الوجه الرابع ألا يكون المفعول محذوفاً، بل تكون " مِنْ " مزيدةً على مذهب الأخفش، تقديره، " كُلُوا مَا في الأَرْضِ أكْلاً حَلاَلاً ".

الخامس: أن يكون حالاً من الضَّمير العائد على " ما " قاله ابن عطيَّة، يعني بـ " الضَّمير " الضَّمير المستكنَّ في الجارِّ والمجرور، الواقع صلة.

و " طَيِّباً " فيه ثلاثة أوجه:

أحدها: أن تكون صفة لـ " حَلاَلا " أمَّا على القول بأنَّ " مِنْ " للابتداء، متعلِّقةٌ بـ " كُلُوا " فهو واضحٌ؛ وأمَّا على القول بأن " مِمَّا في الأَرْضِ " حال من " حَلاَلاً " ، فقال أبُو البَقَاءِ - رحمه الله تعالى-: ولكن موضعها بعد الجارِّ والمجرور، لئلاَّ يفصل الصِّفة بين الحال وذي الحال. وهذا القول ضعيفٌ، فإنَّ الفصل بالصفة بين الحال وصاحبها ليس بممنوعٍ؛ تقول " جَاءَنِي زَيْدٌ الطَّويلُ [راكِباً " ، بل لو قدَّمت الحال على الصِّفة، فقلت: " جاءَنِي زَيْدٌ راكباً الطَّوِيلُ " ] - كان في جوازه نظر.

السابقالتالي
2 3 4 5