الرئيسية - التفاسير


* تفسير اللباب في علوم الكتاب/ ابن عادل (ت 880 هـ) مصنف و مدقق


{ وَمِنَ ٱلنَّاسِ مَن يَتَّخِذُ مِن دُونِ ٱللَّهِ أَندَاداً يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ ٱللَّهِ وَٱلَّذِينَ آمَنُواْ أَشَدُّ حُبّاً للَّهِ وَلَوْ يَرَى ٱلَّذِينَ ظَلَمُوۤاْ إِذْ يَرَوْنَ ٱلْعَذَابَ أَنَّ ٱلْقُوَّةَ للَّهِ جَمِيعاً وَأَنَّ ٱللَّهَ شَدِيدُ ٱلْعَذَابِ }

اعلم: أنه، سبحانه وتعالى، لمَّا قرَّر التوحيد بالدلائل العقلية القاطعة، أردفه بتقبيح ما يضاده؛ لأنَّ تقبيح ضد الشيء مما يوكِّد حسن الشَّيء.

قال الشاعر: [الكامل]
876 -.....................   وَبِضِدِّهَا تَتَبَيِّنُ الأَشْيَاءُ
وقالوا أيضاً: النِّعمة مجهولةٌ، فإذا فقدت عرفت، والنَّاس لا يعرفون قدر الصِّحَّة، فإذا مرضوا، ثم عادت الصحَّة إليهم، عرفوا قدرها، وكذا القول في جميع النِّعم، فلهذا السَّبب أردف الله تبارك وتعالى هذه الآية الدَّالَّة على التَّوحيد بهذه الآية الكريمة.

قوله تعالى: " مَنْ يَتَّخِذُ " " مَنْ ": في محلِّ رفع بالابتداء، وخبره الجارُّ قبله، ويجوز فيها وجهان:

أحدهما: أن تكون موصولةً.

والثاني: أن تكون موصوفةً.

فعلى الأوَّل: لا محلَّ للجملة بعدها. وعلى الثاني: محلُّها الرَّفع، أي: فريقٌ، أو شخصٌ متَّخذٌ، وأفرد الضمير في " يَتَّخِذُ "؛ حملاً على لفظ " مَنْ " و " يَتَّخِذُ ": يفتعل، من " الأَخْذ " ، وهي متعدِّية إلى واحد، وهو " أنداداً ".

قوله تعالى: " مِنْ دُونِ اللَّهِ ": متعلِّق بـ " يَتَّخِدُ " ، والمراد بـ " دُونِ " [هنا " غَيْرَ " ]، وأصلها إذا قلت: " اتَّخَذْتُ مِنْ دُونِكَ صَدِيقاً " ، أصله: اتخذت من جهةٍ ومكانٍ دون جهتك، ومكانك صديقاً، فهو ظرف مجازيٌّ، وأذا كان المكان المتَّخذ منه الصديق مكانك وجهتك منحطَّةً عنه، ودونه؛ لزم أن يكون غيراً؛ [لأنه ليس إيَّاه، ثم حُذِف المضاف، وأقيم المضاف إليه مقامه، مع كونه غيراً]، فصارت دلالته على الغيريَّة بهذا الطريق، لا بطريق الوضع لغةً، وتقدَّم تقرير شيء من هذا أوَّل السُّورة.

فصل في اختلافهم في المراد بالأنداد

اختلفوا في " الأَنْدَاد " ، فقال أكثر المفسِّرين: هي الأوثان التي اتَّخذوها آلهةً، ورجوا من عندها النفع والضُّرَّ، وقصدوها بالمسائل، وقرَّبوا لها القرابين؛ فعلى هذا: الأصنام بعضها لبعضٍ أندادٌ أي أمثالٌ، والمعنى: أنَّها أندادٌ لله تعالى؛ بحسب ظنونهم الفاسدة.

وقال السُّدِّيُّ: إنَّها السَّادة الَّذين كانوا يطيعونهم، فيحلون لمكان طاعتهم في أنَّهم يحلُّون ما حرّم الله، ويحرِّمون ما أحلَّ الله؛ ويدلُّ على هذا القول وجوه:

الأوَّل: ضمير العقلاء في " يُحِبُّونَهُمْ ".

والثاني: يبعد أنَّهم كانوا يحبُّون الأصنام كحبِّ الله تعالى، مع علمهم بأنها لا تضر، ولا تنفع.

الثالث: قوله بعد هذه الآية:إِذْ تَبَرَّأَ ٱلَّذِينَ ٱتُّبِعُواْ } [البقرة: 166]؛ وذلك لا يليق إلاَّ بالعقلاء.

وقال الصُّوفية: كلُّ شيءٍ شغلت قلبك به سوى الله تعالى، فقد جعلته في قلبك ندّاً لله تعالى؛ ويدلُّ عليه قوله تبارك وتعالى:أَفَرَأَيْتَ مَنِ ٱتَّخَذَ إِلَـٰهَهُ هَوَاهُ } [الجاثية: 23].

قوله تعالى: " يُحِبُّونَهُمْ " في هذ الجلمة ثلاثة أوجهٍ:

أحدها: أن تكون في محلِّ رفع؛ صفة لـ " مَنْ " في أحد وجهيها، والضمير المرفوع يعود عليها؛ باعتبار المعنى، بعد باعتبار اللَّفظ في " يَتَّخِذُ ".

السابقالتالي
2 3 4 5 6 7