الرئيسية - التفاسير


* تفسير اللباب في علوم الكتاب/ ابن عادل (ت 880 هـ) مصنف و مدقق


{ أُوْلَـٰئِكَ ٱلَّذِينَ ٱشْتَرَوُاْ ٱلضَّلَـٰلَةَ بِٱلْهُدَىٰ فَمَا رَبِحَتْ تِّجَارَتُهُمْ وَمَا كَانُواْ مُهْتَدِينَ }

" أولئك ": رفع بالابتداء و " الذين " وصلته خبره.

وقوله تعالى: { فَمَا رَبِحَت تِّجَارَتُهُمْ } هذه الجملة عطف على الجملة الواقعة صلة، وهي: " اشتروا ".

وزعم بعضهم أنها خبر المُبْتَدَأ، وأنَّ الفاء دخلت في الخَبَرِ لما تضّمنه الموصول من معنى الشَّرْط، فيصير قوله تعالى:ٱلَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ } [البقرة: 274]، ثم قال:فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ } [البقرة: 274]. وهذا وهم؛ لأن " الذين " ليس مبتدأ حتى يدّعي دخول الفاء في خبره، بل هو خَبَرٌ عن " أولئك " كما تقدّم. فإن قيل: يكون الموصول مبتدأ ثانياً، فتكون الفاء دخلت في خبره.

قلنا: يلزم من ذلك عدم الربط بين المبتدأ والجملة الواقعة خبراً عنه، وأيضاً فإنَّ الصّلة ماضية معنى.

فإن قيل: يكون " الَّذين " بدلاً من " أولئك " فالجَوابَ يصير الموصول مخصوصاً لإبداله من مخصوص، والصّلة أيضاً ماضية.

فإن قيل: " االذين " صفة لـ " أولئك " ، ويصير نظير قولك: " الرجل الذي يأتيني فله درهم ".

قلنا: يرد بما رد به السؤال الثَّاني، وبأنه لا يجوز أن يكون وصفاً له؛ لأنه أعرف منه، ففسد هذا القَوْلُ.

والمشهور ضمّ واو " اشتروا " لالتقاء الساكنين، وإنما ضمت تشبيهاً بتاء الفاعل.

وقيل: للفرق بين واو الجَمْعِ والواو الأصلية نحو:لَوِ ٱسْتَطَعْنَا } [التوبة: 42].

وقيل: لأن الضمة - هنا - أخفّ من الكسرة؛ لأنّها من جنس الواو.

وقيل: حركت بحركة الياء المحذوفة، فإن الأصل: " اشتريوا " كما سيأتي.

وقيل: هي للجمع فهي مثل: " نحن ". وقرىء بكسرها على أصل التقاء الساكنين، وبفتحها؛ لأنها أخف.

وأجاز الكسائي همزها تشبيهاً لها بـ " أَدْؤُر " و " أَثْؤب " وهو ضعيف؛ لأن ضمها غير لازم.

وقال أبو البَقَاءِ: " ومنهم من يَخْتَلِسُهَا، فيحذفها لالتقاء السَّاكنين؛ وهو ضعيف جدًّا، لأن قبلها فتحة، والفتحة لا تدلّ عليها ".

وأصل اشتروا: اشتريوا: فتحركت الياء، وانفتح ما قبلها، فقلبت ألفاً، ثم حذفت لالتقاء السَّاكنين، وبقيت الفتحة دالّةً عليها.

وقيل: بل حذفت الضَّمَّة من الياء فسكنت، فالتقى سَاكِنَانِ، فحذفت الياء لالتقائها ساكنةً مع " الواو ".

فإن قيل: واو الجمع قد حركت، فينبغي أن يعود السَّاكن المحذوف؟

فالجواب: أنَّ هذه الحركة عارضةٌ فهي في حكم السَّاكن، ولم يجىء ذلك إلاَّ في ضرورة الشعر؛ وأنشد الكِسَائيُّ:
215- يَا صَيَاحِ لَمْ تَنَامِ العَشِيَّا   .......................................
فأعاد الألف لما حركت الميم حركةً عارضةً.

و " الضَّلالة " مفعولة، وهي: الجور عن القَصْدِ، وفقد الاهتداء، فاستعير للذهاب عن الصواب في الدين.

و " بالهدى " متعلّق بـ " اشتروا " والباء هنا للعوض، وهي تدخل على المتروك أبداً.

السابقالتالي
2