الرئيسية - التفاسير


* تفسير اللباب في علوم الكتاب/ ابن عادل (ت 880 هـ) مصنف و مدقق


{ يَآأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ ٱسْتَعِينُواْ بِٱلصَّبْرِ وَٱلصَّلاَةِ إِنَّ ٱللَّهَ مَعَ ٱلصَّابِرِينَ }

أعلم أنه - تعالى - لما أوجب بقوله " فاذكروني " جميع العبادات، وبقوله:وَٱشْكُرُواْ لِي } ما يتصل بالشكر أردفه ببيان ما يعين عليهما، فقال: { ٱسْتَعِينُواْ بِٱلصَّبْرِ وَٱلصَّلَٰوةِ } وإنما خصّهما بذلك لما فيهما من المعونة على العبادات.

أما الصبر فهو قَهْر النفس على احتمال المَكَاره في ذات الله - تعالى - وتوطينها على تحمُّل المشاقّ، ومن كان كذلك سهل عليه فعل الطاعات، وتحمل مشاق العبادات، وتجنّب المحظورات.

وأما الصلاة فلقوله تعالى:إِنَّ ٱلصَّلَٰوةَ تَنْهَىٰ عَنِ ٱلْفَحْشَآءِ وَٱلْمُنْكَرِ } [النعكبوت: 45].

ومن الناس من حمل الصبر على الصوم.

ومنهم من حمله على الجهاد، لقوله تعالى بعده:وَلاَ تَقُولُواْ لِمَنْ يُقْتَلُ فِي سَبيلِ ٱللَّهِ أَمْوَاتٌ بَلْ أَحْيَاءٌ } [البقرة: 154] ولأنه - تعالى - أمره بالتثبت في الجهاد، فقال تعالى:إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَٱثْبُتُواْ } [الأنفال: 45] وبالتثبُّت في الصلاة وفي الدعاء، فقال تعالى:وَمَا كَانَ قَوْلَهُمْ إِلاَّ أَن قَالُواْ ربَّنَا ٱغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَإِسْرَافَنَا فِيۤ أَمْرِنَا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وٱنْصُرْنَا عَلَى ٱلْقَوْمِ ٱلْكَافِرِينَ } [آل عمران: 147].

فصل في أقسام الصبر وذكر الاستعانة

والقول الأول أولى لعموم اللفظ وعدم تقيّده الاستعانة، ذكر الاستعانة بالصلاة ولم يذكر فيماذا يُسْتعان.

فظاهره يدل على أن الاستعانة في كل الأمور، وذكر الصبر، وهو ينقسم إلى قسمين:

أحدهما: الصبر على الطاعات.

والثاني: الصبر على الشدائد فهو يشملها وتقدم الكلام على المراد بالصلاة.

قوله تعالى: { إِنَّ ٱللَّهَ مَعَ ٱلصَّابِرِينَ }.

فالمعيّة على قسمين:

أحدهما: معيّة عامة، وهي المعيّة بالعلم والقدرة، وهذه عامة في حق كل أحد.

والثاني: معيّة خاصة وهي المعيّة بالعَوْن والنصر، وهذه خاصة بالمتقين والمحسنين والصابرين، ولهذا قال الله تعالى:إِنَّ ٱللَّهَ مَعَ ٱلَّذِينَ ٱتَّقَواْ وَّٱلَّذِينَ هُم مُّحْسِنُونَ } [النحل: 128] وقال هاهنا: { إِنَّ ٱللَّهَ مَعَ ٱلصَّابِرِينَ } أي: بالعون والصبر.