الرئيسية - التفاسير


* تفسير اللباب في علوم الكتاب/ ابن عادل (ت 880 هـ) مصنف و مدقق


{ فَٱذْكُرُونِيۤ أَذْكُرْكُمْ وَٱشْكُرُواْ لِي وَلاَ تَكْفُرُونِ }

اعلم أن الله - تعالى - كلفنا في هذه الآي بأمرين: الذكر، والشكر.

أما الذكر فقد يكون باللسان، وقد يكون بالقلب، وقد يكون بالجوارح.

فذكر اللسان الحمد، والتسبيح، والتمجيد، وقراءة كتابه.

وذكر القلب التفكّر في الدلائل الدالة على ذاته وصفاته، والتفكر في الجواب على الشبهة العارضة في تلك الدلائل، والتفكّر في الدلائل الدالة على كيفية تكاليفه من أوامره ونواهيه ووعده ووعيده، فإذا عرفوا كيفية التَّكليف وعرفوا ما في الفعل من الوعد وفي الترك من الوعيد سهل فعله عليهم، والتفكر في أسرار مخلوقاته.

وأما الذكر بالجوارح، فهو عبارة عن كون الجوارح مستغرقة في الأعمال التي أمروا بها، وخالية عن الأعمال التي نهوا عنها، وعلى هذا سمى الله الصلاة ذكراً، بقوله تعالى:فَٱسْعَوْاْ إِلَىٰ ذِكْرِ ٱللَّهِ } [الجمعة: 9] فقوله: " اذْكُرُوني " يتضمن الطاعات، ولهذا روي عن سيعد بن جبير أنه قال: اذكروني بطاعتي أذكركم بمغفرتي فأجمله حتى يدخل الكل فيه.

فصل في ورود الذكر في القرآن

الذكر ورد على ثمانية أوجه:

الأول: بمعنى الطاعة كهذه الآية أي: أطيعوني أغفر لكم.

الثاني: العمل، قال تعالى:خُذُواْ مَآ ءَاتَيْنَاكُم بِقُوَّةٍ وَٱذْكُرُواْ مَا فِيهِ } [البقرة: 63] أي: اعملوا بما فيه.

الثالث: العِظَة، قال تعالى:وَذَكِّرْ فَإِنَّ ٱلذِّكْرَىٰ تَنفَعُ ٱلْمُؤْمِنِينَ } [الذاريات: 55] أي العِظَة، ومثلهفَلَمَّا نَسُواْ مَا ذُكِّرُواْ بِهِ } [الأنعام: 44] أي: ما وعظوا به.

الرابع: الشَّرف قال تعالى:وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَّكَ وَلِقَوْمِكَ } [الزخرف: 44] ومثله:بَلْ أَتَيْنَاهُمْ بِذِكْرِهِمْ } [المؤمنون: 71] أي: بشرفهم، وقوله:هَـٰذَا ذِكْرُ مَن مَّعِيَ وَذِكْرُ مَن قَبْلِي } [الأنبياء: 24] أي: شرف.

الخامس: القرآن قال تعالى:أَأُنزِلَ عَلَيْهِ ٱلذِّكْرُ مِن بَيْنِنَا } [ص: 8] أي: القرءَان، ومثله:وَهَـٰذَا ذِكْرٌ مُّبَارَكٌ أَنزَلْنَاهُ } [الأنبياء: 50].

السادس: التوراة قال تعالى:فَٱسْأَلُواْ أَهْلَ ٱلذِّكْرِ } [النحل: 43] أي: التوراة.

السابع: البيان، قال تعالى:أَوَ عَجِبْتُمْ أَن جَآءَكُمْ ذِكْرٌ مِّن رَّبِّكُمْ } [الأعراف: 63].

الثامن: الصلاة، قال تعالى:فَٱسْعَوْاْ إِلَىٰ ذِكْرِ ٱللَّهِ } [الجمعة: 9].

قوله: " أَذْكُرْكُمْ " هذا خطاب لأهل " مكة " والعرب.

قال ابن عباس رضي الله تعالى عنهما: اذكروني بطاعتي أذكركم بمعرفتي.

وقيل: اذكروني في النعمة والرخاء أذكركم في الشدة والبلاء.

بيانه قوله سبحانه وتعالى:فَلَوْلاَ أَنَّهُ كَانَ مِنَ ٱلْمُسَبِّحِينَ لَلَبِثَ فِي بَطْنِهِ إِلَىٰ يَوْمِ يُبْعَثُونَ } [الصافات: 143 - 144].

وقيل: اذكروني بالدعاء أذكركم بالإجابة.

قال تبارك وتعالى:ٱدْعُونِيۤ أَسْتَجِبْ لَكُمْ } [غافر: 60] قاله أبو مسلم.

وقيل: اذكروني في الدنيا أذكركم في الآخرة، وقيل: اذكروني بمَحَامدي أذكركم بهدَايتي.

روى الحسن عن أنس بن مالك رضي الله تعالى عنه قال: إني سمعت هذا الحديث من رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " إن الله - تَعَالَى - يقول: يَا ابْنَ آدَمَ إِنْ ذَكَرْتَنِي فِي نَفْسِكَ ذَكَرْتُكَ فِي نَفْسِي، وَإنْ ذَكَرْتَنِي فِي مَلأٍ ذَكَرْتُكَ فِي مَلأٍ خَيْرٍ مِنْهُمْ، وَإنْ دَنَوْتَ مِنِّي شِبْراً دَنَوْتُ مِنْكَ ذِرَاعاً، وَإِنْ دَنَوْتَ مِنِّي ذِرَاعاً دَنَوْتُ مِنْكَ بَاعاً، وَإِنْ مَشَيْتَ إِلَيَّ هَرْوَلْتُ إِلَيْكَ، وإِنْ هَرْوَلْتَ إِلَيَّ سَعَيْتُ إِلَيْكَ، وإِنْ سَأَلْتَنِي أَعْطَيْتُكَ، وَإِنْ لَمْ تَسْأَلْنِي غَضِبْتُ عَلَيْكَ "


السابقالتالي
2