الرئيسية - التفاسير


* تفسير اللباب في علوم الكتاب/ ابن عادل (ت 880 هـ) مصنف و مدقق


{ كَمَآ أَرْسَلْنَا فِيكُمْ رَسُولاً مِّنْكُمْ يَتْلُواْ عَلَيْكُمْ آيَاتِنَا وَيُزَكِّيكُمْ وَيُعَلِّمُكُمُ ٱلْكِتَابَ وَٱلْحِكْمَةَ وَيُعَلِّمُكُم مَّا لَمْ تَكُونُواْ تَعْلَمُونَ }

قوله تعالى: " كَمَآ أَرْسَلْنَا ": الكاف من قوله: " كما " فيها قولان:

أظهرهما: أنها للتشبيه.

والثاني: أنها للتعليل، فعلى القول الأول تكون نعت مصدر محذوف.

واختلفوا في متعلقها حينئذ على خمسة أوجه:

أحدها: أنها متعلقة بقوله: " ولأتم " تقديره: ولأتم نعمتي عليكم إتماماً مثل إتمام الرسول فيكم، ومتعلّق الإتمامين مختلف، فالأول بالثواب في الآخرة، والثاني بإرسال الرسول في الدنيا، أو الأول بإيجاب الدعوة الأولى لإبراهيم عليه الصلاة والسلام في قوله:وَمِن ذُرِّيَّتِنَآ أَمَّةً مُّسْلِمَةً لَّكَ } [البقرة: 138]

والثاني بإجابة الدعوى الثانية في قوله:رَبَّنَا وَٱبْعَثْ فِيهِمْ رَسُولاً مِّنْهُمْ } [البقرة: 129] [قاله ابن جرير]، ورجحه مكي؛ لأن سياق اللفظ يدلّ على أن المعنى: ولأتم نعمتي عليكم ببيان ملة أبيكم إبراهيم، كما أجبنا دعوته فيكم، فأرسلنا إليكم رسولاً منكم.

والثاني: أنها متعلّقة بـ " تهتدون " ، تقديره: يهتدون اهتداء مثل إرسالنا فيكم رسولاً، ويكون تشبيه الهداية بالإرسال في التحقيق والثبوت أي: اهتداء متحققاً كتحقيق إرسالنا.

الثالث: وهو قول أبي مسلم: أنها متعلقة بقوله:وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطاً } [البقرة: 143]، أي: جعلاً مثل إرسالنا.

وهذا بعيد جداً؛ لطول الفصل المؤذن بالانقطاع.

الرابع: أنها متعلقة بما بعدها وهو " اذكروني " [قال مجاهد وعطاء والكلبي: وروي عن علي رضي الله عنه، واختاره الزَّجاج: كما أرسلنا فيكم رسولاً تعرفونه بالصدق فاكروني بالتوحيد والتصديق به، وعلى هذا فالوقف على " تهتدون " جائز].

قال الزمخشري: كما ذكرتكم بإرسال الرسل، فاذكروني بالطاعة أذكركم بالثواب، فيكون على تقدير مصدر محذوف، وعلى تقدير مضاف أي: اذكروني ذكراً من ذكرنا لكم بالإرسال، ثم صار: مثل ذكر إرسالنا، ثم حذف المضاف، وأقيم المضاف إليه مقامه، وهذا كما تقول: كما أتاك فلان فإنه يكرمك، و " الفاء " غير مانعة من ذلك.

قال أبو البقاء: " كما " لم تمنع في باب الشرط يعني أن ما بعد فاء الجزاء يعمل فيما قبلها.

وقد ردّ مكي هذا بأن الأمر إذا كان له جواب لم يتعلق به ما قبله لاشتغاله بجوابه و " اذكروني " قد أجيب بقوله: " أذكركم " فلا يتعلق به ما قبله.

قال: ولا يجوز ذلك إلا في التشبيه بالشرط الذي يجاب بجوابين، نحو: إذا أتاك فلان فأكرمه تَرْضَهْ، فيكون " كما " ، و " فأذكركم " جوابين للأمر، والاول أفصح وأشهر، وتقول: " كما أحسنت إليك فأكرمني " فيصح أن تجعل الكاف متعلقة بـ " أكرمني " إذ لا جواب له.

وهذا الشرط منعه مكّي قال أبو حيان: " لا نعلم خلافاً في جوازه ".

وأما قوله: إلا أن يشبه بالشرط، وجعله " كما " جواباً للأمر، فليس بتشبيه صحيح، ولا يتعقل، وللاحتجاج عليه موضع غير هذا الكتاب.

السابقالتالي
2 3