الرئيسية - التفاسير


* تفسير اللباب في علوم الكتاب/ ابن عادل (ت 880 هـ) مصنف و مدقق


{ وَمِنْ حَيْثُ خَرَجْتَ فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ ٱلْمَسْجِدِ ٱلْحَرَامِ وَإِنَّهُ لَلْحَقُّ مِن رَّبِّكَ وَمَا ٱللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ } * { وَمِنْ حَيْثُ خَرَجْتَ فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ ٱلْمَسْجِدِ ٱلْحَرَامِ وَحَيْثُ مَا كُنْتُمْ فَوَلُّواْ وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ لِئَلاَّ يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَيْكُمْ حُجَّةٌ إِلاَّ ٱلَّذِينَ ظَلَمُواْ مِنْهُمْ فَلاَ تَخْشَوْهُمْ وَٱخْشَوْنِي وَلأُتِمَّ نِعْمَتِي عَلَيْكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ }

" مِنْ حَيْثُ " متعلق بقوله: " فولّ وَجْهَكَ " و " خرجت " في محلّ جر بإضافة " حيث " إليها، وقرأ عبد الله بالفتح، وقد تقدم أنها إحدى اللغات، ولا تكون هنا شرطية، لعدم زيادة " ما " ، والهاء في قوله: { وَإِنَّهُ للحَقُّ } الكلام فيها كالكلام عليها فيما تقدّم.

وقرئ " تعلمون " بالياء والتاء، وهما واضحتان كما تقدم. فصل في الكلام على الآية

أعلم أنه - تبارك وتعالى - قال أولاً:قَدْ نَرَىٰ تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي ٱلسَّمَآءِ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ ٱلْمَسْجِدِ ٱلْحَرَامِ وَحَيْثُ مَا كُنْتُمْ فَوَلُّواْ وُجُوِهَكُمْ شَطْرَهُ } [البقرة: 144] وذكر هاهنا ثانياً قوله تعالى: { وَمِنْ حَيْثُ خَرَجْتَ فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ ٱلْمَسْجِدِ ٱلْحَرَامِ وَإِنَّهُ لَلْحَقُّ مِن رَّبِّكَ وَمَا ٱللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ }.

ثم ذكر ثالثاً قوله: { وَمِنْ حَيْثُ خَرَجْتَ فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ ٱلْمَسْجِدِ ٱلْحَرَامِ وَحَيْثُ مَا كُنْتُمْ فَوَلُّواْ وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ لِئَلاَّ يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَيْكُمْ حُجَّةٌ } فما فائدة هذا التكرار؟ فيه أقوال:

أحدها: أن الأحوال ثلاثة:

أولها أن يكون الإنسان في المسجد الحرام.

وثانيها: أن يخرج عن المسجد الحرام ويكون في البلد.

وثالثها: أن يخرج عن البلد إلى أقطار الأرض.

فالآية الأولى محمولة على الحالة الأولى، والثانية على الثانية، والثالثة على الثالثة؛ لأنه قد يتوهّم أن للقرب حرمة لا تثبت فيها للبعد، فلأجل إزالة هذا الوهم كرر الله - تعالى - هذه الآيات.

والجواب: أنه علق بها كل مرة فائدة زائدة، ففي الأولى بين أن أهل الكتاب يعلمون أن أمر نبوة محمد صلى الله عليه وسلم وأمر هذه القبلة حقّ؛ لأنهم شاهدوا ذلك في التوراة والإنجيل.

وفي الثانية بين أنه - تعالى - يشهد أن ذلك حقّ، وشهادة الله بكونه حقّاً مغايرة لعلم أهل الكتاب [حقّاً].

وفي الثالثة بين [فعل ذلك لئلا يكون للناس عليكم حجّة]، فلما اختلفت هذه الفوائد حسنت إعادتها لأجل أن يترتب في كل واحدة في المرات واحدة من هذه الفوائد، ونظيره قوله تعالى:فَوَيْلٌ لِّلَّذِينَ يَكْتُبُونَ ٱلْكِتَابَ بِأَيْدِيهِمْ ثُمَّ يَقُولُونَ هَـٰذَا مِنْ عِنْدِ ٱللَّهِ لِيَشْتَرُواْ بِهِ ثَمَناً قَلِيلاً فَوَيْلٌ لَّهُمْ مِّمَّا كَتَبَتْ أَيْدِيهِمْ وَوَيْلٌ لَّهُمْ مِّمَّا يَكْسِبُونَ } [البقرة: 79].

وثالثها: لما قال في الأولى:فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ ٱلْمَسْجِدِ ٱلْحَرَامِ وَحَيْثُ مَا كُنْتُمْ فَوَلُّواْ وُجُوِهَكُمْ شَطْرَهُ } [البقرة: 144] فربما توهم متوهم أن هذا التحويل لمجرد رضاه فأزال هذا الوهم الفاسد بقوله عز وجل ثانياً: { وَمِنْ حَيْثُ خَرَجْتَ فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ ٱلْمَسْجِدِ ٱلْحَرَامِ وَحَيْثُ مَا كُنْتُمْ فَوَلُّواْ وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ } { وَإنَّهُ لَلْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ } أي: إن التحويل ليس لمجرد رضاك، بل لأجل أنه الحق الذي لا محيد عنه، فاستقبالها ليس لمجرد الهوى والميل كقبلة اليهود المنسوخة التي يقيمون عليها بمجرّد الهوى والميل.

السابقالتالي
2 3 4 5 6