الرئيسية - التفاسير


* تفسير اللباب في علوم الكتاب/ ابن عادل (ت 880 هـ) مصنف و مدقق


{ وَلِكُلٍّ وِجْهَةٌ هُوَ مُوَلِّيهَا فَٱسْتَبِقُواْ ٱلْخَيْرَاتِ أَيْنَ مَا تَكُونُواْ يَأْتِ بِكُمُ ٱللَّهُ جَمِيعاً إِنَّ ٱللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ }

جمهور القراء على تنوين " كلّ " ، وتنوينهُ للعوض من المضاف إليه، والجار خبر مقدم، و " وِجْهَة " مبتدأ مؤخر.

واختلف في المضاف إليه " كل " المحذوف.

فقيل: تقديره: ولكل طائفة من أهل الأديان [يعني: أن الله يفعل ما يعلمه صلاحاً، فالجهات من الله تعالى وهو الذي ولَّى وجوه عباده إليها فانقادوا لأمر الله تعالى، فإن انقيادكم خيرات لكم، ولا تلتفتوا إلى طعن هؤلاء، وقولهم: " ما ولاّهم عن قبلتهم أي التي كانوا عليها " فإن الله يجمعهم وإياكم في القيامة].

وقيل: ولكل أهل موضع من المسلمين وِجْهَتُه إلى جهة الكعبة يميناً وشمالاً ووراء وقدّام [فهي كجهة واحدة، ولا يخفى على الله نيّاتهم؛ فهو يحشرهم جميعاً ويثيبهم على أعمالهم]. وفي " وجهة " قولان:

أحدهما: ويعزى للمبرد، والفارسي، والمازني في أحد قوليه: أنها اسم المكان المتوجه إليه، وعلى هذا يكون إثبات " الواو " قياساً إذ هي غير مصدر.

قال سيبويه ولو بنيت " فِعْلَة " من الوعد لقلت: وعدة، ولو بنيت مصدراً لقلت: عدة.

والثاني: أنه مصدر، ويعزى للمازني، وهو ظاهر كلام سيبويه، فإنه قال بعد ذكر حذف " الواو " من المصادر: " وقد أثبتوا فقالوا: وجهة في الجهة " وعلى هذا يكون إثبات " الواو " شاذَاً مَنْبَهَةٌ على ذلك الأصل المتروك في " عدة " ونحوها، والظاهر أن الذي سوغ إثبات " الواو " وإن كانت مصدراً أنها مصدر جاءت على حذف الزوائد؛ إذ الفعل المسموع من هذه المادة تَوَجَّه واتَّجَهَ، ومصدرهما التوجه والاتجاه، ولم يسمع في فعله: " وَجَهَ يَجِهُ " كـ " وعد يَعِدُ " ، وكان الموجب لحذف " الواو " من عدة وزنة الحمل على المضارع لوقوع الواو بين ياء وكسرة، وهنا لم يسمع فيه مضارع يحمل مصدره عليه، فلذلك قلت: إن " وِجْهَة " مصدر على حذف الزوائد لـ " توجه " أو " اتجه " ، وقد ألم أبو البقاء بشيء من هذا.

قال القرطبي: الوِجْهَة وزنها فِعْلَة من المُوَاجهة.

والوجهة والجهة والوجه بمعنى واحد، والمراد القِبْلة، أي: أنهم لا يتبعون قبلتك، وأنت لا تتبع قبلتهم، ولكل وجهة: إما بحق، وإما بهوى.

فصل في لفظ الوجه

قال أبو العباس المقرئ: ورد لفظ الوجه في القرآن الكريم على أربعة أضرب: الأول: بمعنى الملّة، قال تبارك وتعالى: { وَلِكُلٍّ وِجْهَةٌ هُوَ مُوَلِّيهَا } أي: ملّة.

الثاني: بمعنى الإخلاص في العمل، قال تعالى:إِنِّي وَجَّهْتُ وَجْهِيَ } [الأنعام: 79] أي: أخلصت عملي، ومثله:وَمَنْ أَحْسَنُ دِيناً مِمَّنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لله وَهُوَ مُحْسِنٌ } [النساء: 122] أي: أخلص عمله لله.

الثالث: بمعنى الرِّضَا، قال تعالى:

السابقالتالي
2 3 4 5 6 7