الرئيسية - التفاسير


* تفسير اللباب في علوم الكتاب/ ابن عادل (ت 880 هـ) مصنف و مدقق


{ وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطاً لِّتَكُونُواْ شُهَدَآءَ عَلَى ٱلنَّاسِ وَيَكُونَ ٱلرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيداً وَمَا جَعَلْنَا ٱلْقِبْلَةَ ٱلَّتِي كُنتَ عَلَيْهَآ إِلاَّ لِنَعْلَمَ مَن يَتَّبِعُ ٱلرَّسُولَ مِمَّن يَنقَلِبُ عَلَىٰ عَقِبَيْهِ وَإِن كَانَتْ لَكَبِيرَةً إِلاَّ عَلَى ٱلَّذِينَ هَدَى ٱللَّهُ وَمَا كَانَ ٱللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ إِنَّ ٱللَّهَ بِٱلنَّاسِ لَرَءُوفٌ رَّحِيمٌ }

الكاف في قوله تعالى: " وَكَذَلِكَ " فيها الوجهان المَشْهُوران كما تقدم ذلك غير مَرّة: إما النصب على النعت، أو على الحال من المصدر المحذوف.

والتقدير: وكذلك جعلناكم أمّة وسطاً جعلاً مثل ذلك، ولكن المشار إليه بـ " ذلك " غير مذكور فيما تقدم، وإنما تقدم ما يدلّ عليه. واختلفوا في " ذلك " على خمسة أوجه:

أحدها: أن المشار إليه هو الهُدى المدلول عليه بقوله: { يَهْدِي مَنْ يَشَآءُ }.

والتقدير: جعلناكم أمة وسطاً مثل ما هديناكم.

الثاني: أنه الجعل، والتقدير: جعلناكم أمة وسطاً مثل ذلك الجَعْل القريب الذي فيه اختصاصكم بالهداية.

الثالث: قيل: المعنى كما جعلنا قبلتكم متوسّطة جعلناكم أمة وسطاً.

الرابع: قيل: المعنى كما جعلنا القِبْلة وسط الأرض جعلناكم أمة وسطاً.

الخامس - وهو أبعدها - أن المشار إليه قوله:وَلَقَدِ ٱصْطَفَيْنَاهُ فِي ٱلدُّنْيَا } [البقرة: 130] أي: مثل ذلك الاصطفاء جعلناكم أمة وسطاً.

[قال ابن الخطيب: ويحتمل عندي أن يكون التقدير: ولله المشرق والمغرب، فهذه الجهات بعد استوائها لكونها مِلْكاً لله تعالى، خصّ بعضها بمزيد الشرف والتكريم، بأن جعله قبلة فضلاً منه، وإحساناً؛ فكذا العباد كلهم يشتركون في العبودية إلا أنه خص هذه الأمة بمزيد الفضل والعبادة، فضلاً منه وإحساناً لا وجوباً.

وفيه وجه آخر: وهو أنه قد يذكر ضمير الشيء، وإن لم يكن المضمر مذكوراً إذا كان المضمر مشهوراً معروفاً، كقوله تعالى:إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ ٱلْقَدْرِ } [القدر: 1] لأن المعروف عند كل أحد أنه - سبحانه وتعالى - هو القادر على إعزاز من يشاء من خلقه، وإذلال من يشاء، فقوله تعالى:وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطاً } أي: ومثل ذلك الجعل العجيب الذي لا يقدر عليه أحد سواه جعلناكم أمة وسطاً].

و " جعل " بمعنى صير، فيتعدّى لاثنين، فالضمير مفعول أول، و " أمة " مفعول ثاني ووسطاً نعته.

والوَسَط بالتحريك: اسم لما بين الطرفين، ويطلق على خيار الشيء؛ لأن الأوساط محميَّة بالأطراف؛ قال حَبِيبٌ: [البسيط].
821 - كَانَتْ هِيَ الوَسَطَ المَحْمِيَّ فَاكْتَنَفَتْ   بِهَا الحَوَادِثُ حَتَّى أَصْبَحَتُ طَرَفَا
ووسط الوادي خير موضع فيه؛ قال زُهَيْر: [الطويل]
822 - هُمُ وَسَطٌ تَرْضَى الأَنَامُ بِحُكْمِهِمْ   إذَا نَزَلَتْ إِحْدَى البَلاَياَ بِمُفْضَلِ
[وقال آخر: [الراجز].
823 - كُنْ مِنَ النَّاسِ جَمِيعاً وَسَطَا]   
وقال تعالى:قَالَ أَوْسَطُهُمْ } [القلم: 28] أي أعدلهم.

[وروى القفال عن الثورى عن أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه - عن النبي صلى الله عليه وسلم وشرف وبجل وعظم وكرم " أمّة وَسَطاً "؛ قال: " عَدْلاً ".

وقال عليه صلوات الله وسلام: " خَيْرُ الأُمُورِ أَوْسَطُهَا " ؛ أي: أعدلها. وقيل: كان النبي - صلوات الله وسلامه عليه - أوسط قريش نَسَباً.

السابقالتالي
2 3 4 5 6 7 8 9 10  مزيد