الرئيسية - التفاسير


* تفسير اللباب في علوم الكتاب/ ابن عادل (ت 880 هـ) مصنف و مدقق


{ سَيَقُولُ ٱلسُّفَهَآءُ مِنَ ٱلنَّاسِ مَا وَلَّٰهُمْ عَن قِبْلَتِهِمُ ٱلَّتِي كَانُواْ عَلَيْهَا قُل للَّهِ ٱلْمَشْرِقُ وَٱلْمَغْرِبُ يَهْدِي مَن يَشَآءُ إِلَىٰ صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ }

قوله: { سَيَقُولُ السُّفَهَاءُ } فيه قولان:

أحدهما: وهو اختيار القفال أن هذا اللفظ وإن كان للمستقبل ظاهراً، لكنه قد يستعمل في الماضي أيضاً كالرجل يعمل عملاً، فيطعن فيه بعض أعدائه، فيقول: أنا أعلم أنهم [سيطعنون عليَّ فيما فعلت، ومجاز هذا أن يكون القول فيما يكرر ويعاد]، فإذا ذكروه مَرَّة، فسيذكرونه بعد ذلك مرات، فصحّ على هذا التأويل أن يقال: سيقول السُّفهاء من الناس ذلك، وقد وردت الأخبار أنهم لما قالوا ذلك [نزلت الآية].

[قال القرطبي: " سيقول " بمعنى: قال؛ جعل المستقبل موضع الماضي، دلالة على استدامة ذلك] وأنهم يستمرون على ذلك القول.

و " السفهاء " جمع، واحده سفيه، وهو الخفيف العقل، من قولهم: ثوب سفيه إذا كان خفيف النسج وقد تقدم.

والنساء سفائه. وقال المؤرج: السَّفيه: البهات الكاذب المتعمد خلاف ما يعلم.

وقال قُطْرب: الظلوم الجهول.

القول الثاني: أن الله تعالى أخبر عنهم قبل أن ذكروا هذا الكلام أنهم سيذكرونه وفيه فوائد.

أحدها: أنه - عليه الصلاة والسلام - إذا أخبر عن ذلك قبل وقوعه، كان هذا إخباراً عن الغيب فيكون معجزاً.

وثانيها: أنه - تعالى - إذا أخبر عن ذلك أولاً، ثم سمعه منهم، فإنه يكون تأذيه من هذا الكلام أقلّ مما إذا سمعه فيهم أولاً.

وثالثها: أن الله - تعالى - إذا أسمعه ذلك أولاً، ثم ذكر جوابه معه، فحين يسمعه النبي - عليه الصلاة والسلام - منهم يكون الجواب حاضراً، كان ذلك أولى مما إذا سمعه ولا يكون الجواب حاضراً.

فصل في الكلام على السفيه

تقدم الكلام على السَّفه في قوله: { كَمَا ءَامَنَ السُّفَهَاء } وبالجملة فإن السفيه من لا يميّز ما له وما عليه، فيعدل عن طريق ما ينفعه إلى ما يضره، يوصف بالخفّة والسفه، ولا شك أن الخطأ في باب الدين أعظم معرّة منه في باب الدنيا، [فإذا كان العادل عن الرأي واضحاً في أمر دنياه يعدّ سفيهاً، فمن يكون كذلك في أمر دينه كان أولى بهذا الاسم فلا كافر إلا وهو سفيه، فهذا اللفظ] يمكن حمله على اليهود، وعلى المشركين، وعلى المنافقين وعلى جملتهم، وذهب إلى كلّ واحد من هذه الوجوه قوم من المفسرين.

قال ابن عباس ومجاهد: هم اليهود، وذلك لأنهم كانوا يأتسون بموافقة الرسول لهم في القِبْلة، وكانوا يظنون أن موافقته لهم في القبلة ربما تدعوه إلى أن يصير موافقاً لهم بالكلية، فلما تحول عن ترك القبلة اغْتَمُّوا وقالوا: قد عاد إلى طريقة آبائه ولو ثبت على قبلتنا لعلمنا أنه الرسول المنتظر المبشر به في التوراة، فنزلت هذه الآية.

قال ابن عباس والبراء بن عازب والحسن والأصم رضي الله عنهم: إنهم مشركو العرب، [وذلك لأنه - عليه الصلاة والسلام - كان متوجهاً إلى " بيت المقدس " حين كان بـ " بمكة " والمشركون] كانوا يتأذون منه بسبب ذلك، فلما جاء إلى " المدينة " وتحول إلى الكعبة قالوا: رجع إلى موافقتنا، ولو ثبت عليه لكان أولى به.

السابقالتالي
2 3 4 5