الرئيسية - التفاسير


* تفسير اللباب في علوم الكتاب/ ابن عادل (ت 880 هـ) مصنف و مدقق


{ قُلْ أَتُحَآجُّونَنَا فِي اللَّهِ وَهُوَ رَبُّنَا وَرَبُّكُمْ وَلَنَآ أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُخْلِصُونَ }

الاستفهام في قوله: " أَتُحَاجُّونَنَا " للإنكار والتوبيخ.

والجمهور: " أتحاجوننا " بنونين الأولى للرفع، والثانية نون " نا ".

وقرأ زيد والحسن والأعمش ـ رحمهم الله ـ بالإدغام.

وأجاز بعضهم حذف النون الأولى.

فأما قراءة الجمهور فواضحة.

وأما قراءة الإدغام فلاجتماع مثلين، وسوغ الإدغام وجود حرف المد واللين قبله القائم مقام الحركة.

وأما من حذف فبالحمل على نون الوقاية كقراءة:فَبِمَ تُبشِّرُونِ } [الحجر:54]؛ وقوله [الوافر]
819ـ تَرَاهُ كَالثَّغَامِ يُعَلُّ مِسْكاً     يَسُوءُ الفَالِيَاتِ إذَا فَلَيْنِي
يريد " فَليْنَنِي " ، وهذه الآية مثل قوله:أَفَغَيْرَ ٱللَّهِ تَأْمُرُونِّيۤ أَعْبُدُ } [الزمر:64]، فإنه قرئت بالأوجه الثلاثة: الفَكِّ والإدغام والحذف، ولكن في المتواتر.

وهنا لم يُقْرأ في المشهور كما تقدَّم إلا بالفكّ.

ومَحَلُّ هذه الجملة النصب بالقول قبلها.

والضمير في " قل " يَحْتَمِلُ أن يكون للنبي ـ عليه السَّلام ـ أو لكلّ من يصلح للخطاب، والضمير المرفوع في: " أتحاجُّوننا " لليهود والنصارى، أو لمشركي العرب أو للكلّ.

و " المحاجّة " مفاعلة من حَجَّه يَحُجُّهُ.

فصل في تحرير معنى المحاجّة

اختلفوا في تلك المحاجة: فقيل: هي قولهم: إنهم أولى بالحق والنبوة لتقدم النبوة فيهم، والمعنى: أتجادلوننا في أن الله اصطفى رسوله من العرب لأمتكم، وتقولون: لو أنزل الله على أحد لأنزل عليكم، وترونكم أحق بالنبوة منا.

وقيل: هي قولهم:نَحْنُ أَبْنَاءُ ٱللَّهِ وَأَحِبَّاؤُهُ } [المائدة:18] وقولهم:لَن يَدْخُلَ ٱلْجَنَّةَ إِلاَّ مَن كَانَ هُوداً أَوْ نَصَارَىٰ } [البقرة:111]، وقولهم:كُونُواْ هُوداً أَوْ نَصَارَىٰ تَهْتَدُواْ } [البقرة:135] قاله الحسن رضي الله عنه.

وقيل: { أَتُحَآجُّونَنَا فِي ٱللَّهِ } أي: أتجادلوننا في دين الله.

وقوله: " في الله " لا بد من حذف مضاف أي: في شأن الله، أو دين الله.

قوله: " وَهُوَ رَبُّنَا " مبتدأ وخبر في محلّ نصب على الحال، وكذا ما عطف عليه من قوله: " وَلَنَا أعمالنا " ولا بد من حذف مضاف أي: جزاء أعمالنا، ولكم جزاء أعمالكم.

فصل

قوله: { وَهُوَ رَبُّنَا وَرَبُّكُمْ } فيه وجهان:

الأول: أنه أعلم بتدبير خلقه، وبمن يصلح للرسالة، وبمن لا يصلح لها، فلا تعترضوا على ربكم، فإنّ العبد ليس له أن يعترض على ربه، بل يجب عليه تفويض الأمر إليه.

الثاني: أنه لا نسبة لكم إلى الله ـ تعالى ـ إلا بالعبودية وهذه النسبة مشتركة بيننا وبينكم، فلم ترجّحون أنفسكم علينا، بل الترجيح من جانبنا؛ لأنا مخلصون في العبودية، ولستم كذلك، وهذا التأويل أقرب.

قوله تعالى: { وَلَنَآ أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ } المراد منه النَّصيحة في الدين، كأنه تعالى قال لنبيه: قل لهم هذا القول على وجه الشَّفقة والنصيحة، أي: لا يرجع إليَّ من أفعالكم القبيحة ضرر حتى يكون المقصود من هذا القول دفع ذلك الضرر، وإنما المراد [نصحكم] وإرشادكم إلى الأصلح.