الرئيسية - التفاسير


* تفسير اللباب في علوم الكتاب/ ابن عادل (ت 880 هـ) مصنف و مدقق


{ صِبْغَةَ ٱللَّهِ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ ٱللَّهِ صِبْغَةً وَنَحْنُ لَهُ عَابِدونَ }

قرأ الجمهور " صبغة " بالنصب.

وقال الطبري رحمه الله: من قرأ: " ملّةُ إبراهيم " بالرفع قرأ " صبغة " بالرفع وقد تقدم أنها قراءة ابن هرمز، وابن أبي عبلة.

فأما قراءة الجمهور ففيها أربعة أوجه:

أحدها: أن انتصابها انتصاب المصدر المؤكد، وهذا اختاره الزمخشري، وقال: " هو الذي ذكره سيبويه، والقول ما قالت حَذَام " انتهى قوله.

واختلف حينئذ عن ماذا انْتَصَبَ هذا المصدر؟

فقيل: عن قوله: " قولوا: آمنا ".

وقيل عن قوله: { ونَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ }.

وقيل: عن قوله: " فَقَد اهْتَدُوا ".

الثاني: أن انتصابها على الإغراء أي: الزموا صبغة الله.

وقال أبو حيان وهذا ينافره آخر الآية، وهو قوله: { وَنَحْنُ لَهُ عَابِدُونَ } [فإنه خبر والأمر ينافي الخبر] إلا أن يقدر هنا قول، وهو تقدير لا حاجة إليه، ولا دليل من الكلام عليه.

الثالث: أنها بدل من " ملة " وهذا ضعيف؛ إذ قد وقع الفصل بينهما بجمل كثيرة.

الرابع: انتصابها بإضمار فعل أي: اتبعوا صِبْغَةَ الله، ذكر ذلك أبو البقاء مع وجه الإغراء، وهو في الحقيقة ليس زائداً فإنَّ الإغراء أيضاً هو نصب بإضمار فعل.

قال الزمخشري رحمه الله: هي ـ أي الصبغة ـ من " صَبَغَ " كالجِلْسَة من " جَلَس " ، وهي الحالة التي يقع عليها الصَّبْغُ، والمعنى: تطهير الله؛ لأن الإيمان يطهر النُّفُوس.

فصل في الكلام على الصّبغ

الصّبغ ما يلون به الثياب ويقال: صبغ الثوب يصبغُهُ بفتح الباء وكسرها وضمها ثلاث لغات صبغاً بفتح الصاد وكسرها.

و " الصِّبْغة " فعلة من صبغ كالجِلْسَة من جلس، وهي الحالة التي يقع عليها الصبغ.

ثم اختلفوا في المراد بصبغة الله على أقوال:

الأول: أنه دين الله، وذكروا في تسمية دين الله بالصبغة وجوهاً.

أحدها: أن بعض النصارى كانوا يغمسون أولادهم في ماء أصفر يسمونه المعمودية، ويقولون: هو تطهير لهم. وإذا فعل الواحد بولده ذلك قال: الآن صار نصرانياً فأمر المسملون أن يقولوا: آمنا وصبغنا الله صِبْغة لا مثل صِبْغتكم، وإنما جيء بلفظ الصِّبغة على طريق المُشَاكلة كما تقول لمن يغرس الأشجار: [اغرس كما يغرس فلان، تريد رجلاً يصطنع الكرم.

والسبب في إطلاق لفظ الصبغة على الدين طريقة المُشَاكلة كما تقول لمن يغرس الأشجار وأنت تريد أن تأمره بالكرم]: اغرس كما يغرس فلان، تريد رجلاً مواظباً على الكرم.

ونظيره قوله تعالى:إِنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِءُونَ ٱللَّهُ يَسْتَهْزِىءُ بِهِمْ } [البقرة:14ـ15]،يُخَادِعُونَ ٱللَّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ } [النساء:142]،وَمَكَرُواْ وَمَكَرَ ٱللَّهُ } [آل عمران:54]،وَجَزَآءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِّثْلُهَا } [الشورى:40]،إِن تَسْخَرُواْ مِنَّا فَإِنَّا نَسْخَرُ مِنكُمْ } [هود:38].

وثانيها: اليهود تصبغ أولادها يهوداً، والنصارى تصبغ أولادها نصارى بمعنى يلقونهم، فيصبغونهم بذلك لما يشربون في قُلُوبهم.

السابقالتالي
2 3