الرئيسية - التفاسير


* تفسير اللباب في علوم الكتاب/ ابن عادل (ت 880 هـ) مصنف و مدقق


{ فَإِنْ آمَنُواْ بِمِثْلِ مَآ آمَنْتُمْ بِهِ فَقَدِ ٱهْتَدَواْ وَّإِن تَوَلَّوْاْ فَإِنَّمَا هُمْ فِي شِقَاقٍ فَسَيَكْفِيكَهُمُ ٱللَّهُ وَهُوَ ٱلسَّمِيعُ ٱلْعَلِيمُ }

" الباء " في قوله " بمثل " فيه أقوال:

أحدها: أنها زائدة كهي في قوله:وَلاَ تُلْقُواْ بِأَيْدِيكُمْ } [البقرة:195] وقوله:وَهُزِّىۤ إِلَيْكِ بِجِذْعِ } [مريم:25]؛ وقوله: [البسيط]
814ـ................     سُودُ المَحَاجِرِ لاَ يَقْرَأْنَ باِلسُّوَرِ
والثاني: أنها بمعنى " على " ، أي: فإن آمنوا على مثل إيمانكم بالله.

والثالث: أنها للاستعانة كهي في " نجرت بالقدُّوم " ، و " كتبت بالقلم " ، والمعنى:

فإن دخلوا في الإيمان بشهادةٍ مثل شهادتكم. وعلى هذه الأوجه، فيكون المؤْمَن به محذوفاً، و " ما " مصدرية، والضمير في " به " عائداً على الله ـ تعالى ـ والتقدير: فإن آمنوا بالله إيماناً مثل إيمانكم به، و " مثل " هنا فيها قولان:

أحدهما: أنها زائدة، والتقدير: بما آمنتم به، وهي قراءة عبد الله بن مسعود، وابن عباس [وذكر البيهقي عن ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ لا تقولوا بمثل ما آمنتم به، فإن الله ـ تعالى ـ ليس له مثل، ولكن قولوا بالذي آمنتم به، وهذا يروى قراءة أُبيّ] ونظيرها في الزيادة قول الشاعر: [السريع أو الرجز]
815ـ فَصُيِّرُوا مِثْلَ كَعَصْفٍ مَأْكُولْ   
وقال بعضهم: هذا من مجاز الكلام تقوم: هذا أمر لا يفعله مثلك، أي: لا تفعله أنت.

والمعنى: فإن آمنوا بالذي آمنتم به، نقله ابن عطية، وهو يؤول إلى إلغاء " مثل " وزيادتها.

والثاني: أنها ليست بزائدة، والمثليّة متعلقة بالاعتقاد، أي: فإن اعتقدوا بمثل اعتقادكم، أو متعلقة بالكتاب، أي: فإن آمنوا بكتاب مثل الكتاب الذي آمنتم به، والمعنى: فإن آمنوا بالقرآن الذي هو مصدق لما في التوراة والإنجيل، وهذا التأويل ينفي زيادة " الباء ".

قال ابن الخطيب رحمه الله تعالى: وفيها وجوه، وذكر في بعضها أن المقصود منه التثبيت، والمعنى: إن حصلوا ديناً آخر مثل دينكم، ومساوياً له في الصحة والسداد، فقد اهتدوا، ولمَّا استحال أن يوجد دين آخر يساوي هذا الدين في الصواب والسَّدَاد استحال الاهتداء بغيره ونظيره قولك للرجل الذي تشير عليه: ها هو الرأي الصواب، فإن كان عندك رأي أصوب منه فاعمل به، وقد علمت أن لا أَصْوَبَ من رأيك، [ولكنك تريد تثبيت صاحبك، وتوقيفه على أن ما رأيت لا رأي وراءه].

وقيل: إنكم آمنتم بالفرقان من غير تصحيف وتحريف، فإن آمنوا بمثل ذلك، وهو التوراة من غير تصحيف وتحريف، فقد اهتدوا؛ لأنهم يتوصّلون به إلى معرفة نبوة محمد صلى الله عليه وسلم.

وقيل: فإن صاروا مؤمنين بمثل ما به صرتم مؤمنين، فقد اهتدوا.

و " ما " في قوله: { بِمِثْلِ مَآ ءَامَنتُم } فيها وجهان:

أحدهما: أنها بمعنى الذي، والمراد بها حينئذ: إما الله ـ تعالى ـ بالتأويل المتقدم عند من يجيز وقوع " ما " على أولي العلم نحو:

السابقالتالي
2 3