" من " اسم استفهام بمعنى الإنكار، فهو نفي في المعنى، لذلك جاءت بعده " إلاَّ " التي للإيجاب، ومحلّه رفع بالابتداء. و " يرغب " خبره، وفيه ضمير يعود عليه. والرغبة أصلها الطلب، فإن تعدت بـ " في " كانت بمعنى الإيْثَار له، والاختيار نحو: رغبت في كذا، وإن تعدت بـ " عن " كانت بمعنى الزّهَادة نحو: رغبت عنك. قوله: { إِلاَّ مَن سَفِهَ } في " مَنْ " وجهان. أحدهما: أنها في محلّ رفع البدل من الضمير في " يرغب " ، وهو المختار؛ لأن الكلام غير موجب، والكوفيون يجعلون هذا من باب العطف. فإذا قلت: ما قام القوم إلاَّ زيد، فـ " إلاَّ " عندهم حرف عطف، وزيد معطوف على القوم، وتحقيق هذا مذكور في كتب النحو. الثاني: أنها في محلّ نصب على الاستثناء، و " من " يحتمل أن تكون موصولة، وأن تكون نكرة موصوفة، فالجملة بعدها لا محلّ لها على الأول، ومحلها الرفع، أو النصب على الثاني. قوله: " نَفْسَهُ " في نصبه سبعة أوجه: أحدها: وهو المختار أن يكون مفعولاً به؛ لأنه حكي أن " سَفِهَ " بكسر الفاء يتعدّى بنفسه كما يتعدى " سَفَّه " بفتح الفاء والتشديد، وحكى عن أبي الخَطّاب أنها لغة، وهو اختيار الزّمخشري [فإنه قال]: " سفه نفسه: امتهنها، واستخف بها " ، ثم ذكر أوجهاً أخرى. ثم قال والوجه الأول، وكفى شاهداً له بما جاء في الحديث: " الكِبْرُ أَنْ تَسْفَهَ الحَقَّ وَتُغْمِضَ النَّاسَ ". الثاني: أنه مفعول به ولكن على تضمين " سفه " معنى فعل يتعدى، فقدره الزجاج وابن جني بمعنى " جهل " ، وقدره أبو عبيدة بمعنى " أهلك ". قال القرطبي: وأما سَفُهَ بالضم فلا يتعدى قاله ثعلب والمبرد]. الثالث: أنه منصوب على إسقاط حرف الجَرّ تقديره: سَفِهَ في نَفْسه. الرابع: توكيد لمؤكد محذوف تقديره: سفه في نفسه، فحذف المؤكد قياساً على النعت والمنعوت، حكاه مكّي. الخامس: أنه تمييز، وهو قول الكوفيين. قال الزمخشري: ويجوز أن يكون في شذوذ تعريف المميِّز؛ نحو قوله: [الوافر]
792ـ...................
وَلاَ بِفزَارَةَ الشُّعْرِ الرِّقَابَا
[الوافر]
793ـ..................
أَجَبَّ الظَّهْرَ لَيْسَ لَهُ سَنَامُ
فجعل " الرِّقَاب " و " الظَّهر " تمييزين، وليس كذلك، بل هما مُشَبَّهان بالمفعول به؛ لأنهما معمولا صفة مشهبة، وهي " الشُّعْر " جمع أَشْعَر، و " أَجَبّ " وهو اسم. السادس: أنه مشبه بالمفعول وهو قول بعض الكوفيين. السابع: أنه توكيد لمن سفه؛ لأنه في محل نصب على الاستثناء في أحد القولين، وهو تخريج غريب نقله صاحب " العَجَائب والغَرَائب ". والمختار الأول؛ لأن التضمين لا ينقاس، وكذلك حرف الجر.