الرئيسية - التفاسير


* تفسير اللباب في علوم الكتاب/ ابن عادل (ت 880 هـ) مصنف و مدقق


{ وَمَن يَرْغَبُ عَن مِّلَّةِ إِبْرَاهِيمَ إِلاَّ مَن سَفِهَ نَفْسَهُ وَلَقَدِ ٱصْطَفَيْنَاهُ فِي ٱلدُّنْيَا وَإِنَّهُ فِي ٱلآخِرَةِ لَمِنَ ٱلصَّالِحِينَ }

" من " اسم استفهام بمعنى الإنكار، فهو نفي في المعنى، لذلك جاءت بعده " إلاَّ " التي للإيجاب، ومحلّه رفع بالابتداء.

و " يرغب " خبره، وفيه ضمير يعود عليه.

والرغبة أصلها الطلب، فإن تعدت بـ " في " كانت بمعنى الإيْثَار له، والاختيار نحو: رغبت في كذا، وإن تعدت بـ " عن " كانت بمعنى الزّهَادة نحو: رغبت عنك.

قوله: { إِلاَّ مَن سَفِهَ } في " مَنْ " وجهان.

أحدهما: أنها في محلّ رفع البدل من الضمير في " يرغب " ، وهو المختار؛ لأن الكلام غير موجب، والكوفيون يجعلون هذا من باب العطف.

فإذا قلت: ما قام القوم إلاَّ زيد، فـ " إلاَّ " عندهم حرف عطف، وزيد معطوف على القوم، وتحقيق هذا مذكور في كتب النحو.

الثاني: أنها في محلّ نصب على الاستثناء، و " من " يحتمل أن تكون موصولة، وأن تكون نكرة موصوفة، فالجملة بعدها لا محلّ لها على الأول، ومحلها الرفع، أو النصب على الثاني.

قوله: " نَفْسَهُ " في نصبه سبعة أوجه:

أحدها: وهو المختار أن يكون مفعولاً به؛ لأنه حكي أن " سَفِهَ " بكسر الفاء يتعدّى بنفسه كما يتعدى " سَفَّه " بفتح الفاء والتشديد، وحكى عن أبي الخَطّاب أنها لغة، وهو اختيار الزّمخشري [فإنه قال]: " سفه نفسه: امتهنها، واستخف بها " ، ثم ذكر أوجهاً أخرى.

ثم قال والوجه الأول، وكفى شاهداً له بما جاء في الحديث: " الكِبْرُ أَنْ تَسْفَهَ الحَقَّ وَتُغْمِضَ النَّاسَ ".

الثاني: أنه مفعول به ولكن على تضمين " سفه " معنى فعل يتعدى، فقدره الزجاج وابن جني بمعنى " جهل " ، وقدره أبو عبيدة بمعنى " أهلك ".

قال القرطبي: وأما سَفُهَ بالضم فلا يتعدى قاله ثعلب والمبرد].

الثالث: أنه منصوب على إسقاط حرف الجَرّ تقديره: سَفِهَ في نَفْسه.

الرابع: توكيد لمؤكد محذوف تقديره: سفه في نفسه، فحذف المؤكد قياساً على النعت والمنعوت، حكاه مكّي.

الخامس: أنه تمييز، وهو قول الكوفيين.

قال الزمخشري: ويجوز أن يكون في شذوذ تعريف المميِّز؛ نحو قوله: [الوافر]
792ـ...................     وَلاَ بِفزَارَةَ الشُّعْرِ الرِّقَابَا
[الوافر]
793ـ..................     أَجَبَّ الظَّهْرَ لَيْسَ لَهُ سَنَامُ
فجعل " الرِّقَاب " و " الظَّهر " تمييزين، وليس كذلك، بل هما مُشَبَّهان بالمفعول به؛ لأنهما معمولا صفة مشهبة، وهي " الشُّعْر " جمع أَشْعَر، و " أَجَبّ " وهو اسم.

السادس: أنه مشبه بالمفعول وهو قول بعض الكوفيين.

السابع: أنه توكيد لمن سفه؛ لأنه في محل نصب على الاستثناء في أحد القولين، وهو تخريج غريب نقله صاحب " العَجَائب والغَرَائب ".

والمختار الأول؛ لأن التضمين لا ينقاس، وكذلك حرف الجر.

السابقالتالي
2 3