الرئيسية - التفاسير


* تفسير اللباب في علوم الكتاب/ ابن عادل (ت 880 هـ) مصنف و مدقق


{ وَلَنْ تَرْضَىٰ عَنكَ ٱلْيَهُودُ وَلاَ ٱلنَّصَارَىٰ حَتَّىٰ تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ قُلْ إِنَّ هُدَى ٱللَّهِ هُوَ ٱلْهُدَىٰ وَلَئِنِ ٱتَّبَعْتَ أَهْوَآءَهُمْ بَعْدَ ٱلَّذِي جَآءَكَ مِنَ ٱلْعِلْمِ مَا لَكَ مِنَ ٱللَّهِ مِن وَلِيٍّ وَلاَ نَصِيرٍ }

والرِّضَا: ضد الغضب، وهو من ذوات " الواو " لقولهم: الرضوان، والمصدر: رضاً ورِضَاء بالقصر والمد، ورِضْواناً بكسر " الفاء " وضمها.

قال القرطبي رحمه الله: رَضِيَ يَرْضَى رِضاً ورِضاءً ورِضْواناً ورُضْواناً ومَرْضاة، وهو من ذوات " الواو " ويقال في التثنية: رِضَوان، وحكى الكسائي رحمه الله: رِضيان، وحكى رضاء ممدود، وكأنه مصدر رَاضَى يُرَاضِي مُرَاضَاةً ورِضَاءً.

وقد يتضمّن معنى " عَطَف " فيتعدى بـ " عَلى "؛ قال: [الوافر]
769ـ إذَا رَضِيَتْ عَلَيَّ بَنُو قُشَيْرٍ     .....................
والملّة في الأصل: الطريقة، يقال: طريق مُملٌّ، أي: أثَّر فيه [المشي]، ويعبر بها عن الشريعة تشبيهاً بالطريقة.

وقيل: بل اشتقت من " أَمْلَلْتُ "؛ لأن الشريعة فيها مَن يُمْلي ويُمْلَى عليه.

فصل في سبب نزول هذه الآية

اعلم أنه ـ تعالى ـ لما بين أن العلّة قد انزاحت من قبله لا من قبلهم، وأنه لا عذر لهم في الثبات على التكذيب به عقب ذلك بأن القوم بلغ حالهم في [تشددهم في باطلهم، وثباتهم على كُفْرهم] أنهم يريدون منك أن تتبع ملّتهم، ولا يرضون منك بالكُفْر، بل الموافقة لهم في دينهم وطريقتهم.

قال ابن عباس رحمه الله: هذا في القِبْلَةِ، وذلك أن يهود " المدينة " ونصارى " نجران " كانوا يرجون النبي صلى الله عليه وسلم حين كان يصلِّي إلى قبلتهم، فلما صرف الله القبلة إلى الكَعْبة أَيسُوا منه الموافقة على دينهم فنزلت هذه الآية.

وقيل: كانوا يسألون النبي صلى الله عليه وسلم الهدنة، ويطمعونه أنه إن أمهلهم اتبعوه، فأنزل الله هذه الآية.

معناه: إنك إن هادنتهم، فلا يرضون بها، ولا يطلبون ذلك تعللاً ولا يرضون منك إلا باتباع ملتهم.

قوله: " تَتَّبعَ " منصوب بـ " أن " مضمرة بعد " حتى " قاله الخليل، وذلك أن " حتى " خافضة بالاسم لقوله عز وجل:حَتَّىٰ مَطْلَعِ ٱلْفَجْرِ } [القدر:5] وما يعمل في الاسم لا يعمل في الفعل ألبتة وما يخفض اسماً لا ينصب شيئاً.

وقال النَّحاس: " تَتَّبع " منصوب بـ " حتى " ، و " حتى " بدل من " أن ".

فصل في أن الكفر ملّة واحدة

دلت هذه الآية على أن الكفر ملّة واحدة لقوله تعالى: " مِلَّتَهُمْ " فوحّد الملّة، وبقوله تعالى:لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ } [الكافرون:6]، وأمّا قوله صلوات الله وسلامه عليه: " لا يتوارَثُ أَهْل ملّتين شيء " المراد به الإسلام والكفر بدليل قوله عليه الصلاة والسلام: " لا يُوَرّثُ المُسْلِمُ الكَافِرَ، وَلا الكَافِرُ المُسْلِمَ " ثم قال تعالى: { قُلْ إِنَّ هُدَى ٱللَّهِ هُوَ ٱلْهُدَىٰ } [البقرة:120] يعني الإسلام هو الهدى الحقّ الذي يصح أن يسمى هدى، وهو الهدى كله ليس وراءه هدى.

السابقالتالي
2