الرئيسية - التفاسير


* تفسير اللباب في علوم الكتاب/ ابن عادل (ت 880 هـ) مصنف و مدقق


{ وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لاَ تُفْسِدُواْ فِي ٱلأَرْضِ قَالُوۤاْ إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ } * { أَلاۤ إِنَّهُمْ هُمُ ٱلْمُفْسِدُونَ وَلَـٰكِن لاَّ يَشْعُرُونَ }

" إذا " ظرف زمان مستقبل ويلزمها معنى الشرط غالباً، ولا تكون إلاّ في الأمر المحقق، أو المرجح وقوعه، فلذلك لم تجزم إلا في شِعْرٍ؛ لمخالفتها أدوات الشرط؛ فإنها للأمر المحتمل، فمن الجزم قوله: [البسيط]
193- تَرْفَعُ لي خِنْدِفٌ واللهُ يَرْفَعُ لِي   نَاراً إِذَا خَمَدَتْ نِيرَانُهُمْ تَقِدِ
وقال آخر: [الكامل]
194- وَاسْتَغْنِ مَا أَغْنَاكَ رَبُّكَ بِالغِنَى   وَإِذَا تُصِبْكَ خَصَاصَةٌ فَتَجَمَّلِ
وقال الآخر: [الطويل]
195- إِذَا قَصُرَتْ أَسْيَافُنَا كَانَ وَصْلُهَا   خُطَانَا إِلَى أَعْدَائِنَا فَنُضَارِبِ
فقوله: " فَنُضَارب " مجزوم لعطفه على محل قوله " كان وصلها ".

وقال الفرزدق: [الطويل]
196- فَقَامَ أَبُو لَيْلَى إِلَيْهِ ابْنُ ظَالِمٍ   وَكَانَ إذَا مَا يَسْلُلِ السَّيْفَ يَضْرِبِ
وقد تكون للزمن الماضي كـ: " إذ " كما قد تكون " إذ " للمستقبل كـ " إذا ".

فمن مجيء " إذا " ظرفاً لما مَضَى من الزمان واقعةً موقع " إذ " قوله تعالى:وَلاَ عَلَى ٱلَّذِينَ إِذَا مَآ أَتَوْكَ لِتَحْمِلَهُمْ قُلْتَ لاَ أَجِدُ } [التوبة: 92]، وقوله:وَإِذَا رَأَوْاْ تِجَٰرَةً أَوْ لَهْواً ٱنفَضُّوۤاْ إِلَيْهَا } [الجمعة: 11]، قال به ابن مالك، وبعض النحويين.

ومن مجيء " إذ " ظرفاً لما يستقبل من الزمان قوله تعالى:فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ إِذِ ٱلأَغْلاَلُ فِيۤ أَعْنَاقِهِمْ } [غافر: 70-71].

وتكون للمفاجأة أيضاً، وهل هي حينئذ باقية على زمانيتها، أو صارت ظرف مكان أو حرفاً؟

ثلاثة أقوال: أصحُّها الأول استصحاباً للحال، وهل تتصرف أم لا؟

الظاهر عدم تصرفها، واستدلّ من زعم تصرفها بقوله تعالى في قراءة من قرأ:إِذَا وَقَعَتِ ٱلْوَاقِعَةُ لَيْسَ لِوَقْعَتِهَا كَاذِبَةٌ خَافِضَةٌ رَّافِعَةٌ إِذَا رُجَّتِ ٱلأَرْضُ رَجّاً } [الواقعة: 1-4] بنصب " خافضة رافعة " ، فجعل " إذا " الأولى مبتدأ، والثانية خبرها.

والتقدير: وَقْتُ وقوع الواقعة رجّ الأرض، وبقوله:حَتَّىٰ إِذَا جَآءُوهَا } [الزمر: 71]، وحَتَّىٰ إِذَا كُنتُمْ } [يونس: 22] فجعل " حتى " حرف جر، و " إذا " مجرورة بها، وسيأتي تحقيق ذلك في مواضعه. ولا تُضَاف إلاَّ الجُمَلِ الفعلية خلافاً للأخفش.

وقوله: " قيل " فعل ماضٍ مبني للمفعول، وأصله: " قَوَلَ " كـ: " ضرب " ، فاستثقلت الكسرة على " الواو " ، فنقلت إلى " القاف " بعد سَلْبِ حركتها، فسكنت " الواو " بعد كسرة، فقلبت " ياء " ، وهذه أفصح اللغات، وفيه لغة ثانية، وهي الإشمام، والإشمام عبارة عن جعل الضّمة بين الضم والكَسْرِ.

ولغة ثالثة وهي: إخلاص الضم، نحو: " قُولَ وبُوعَ " ، قال الشاعر: [الرجز]
197- لَيْتَ وَهَلْ يَنْفَعُ شَيْئاً لَيْتُ   لَيْتَ شَبَاباً بُوعَ فَاشْتَرَيْتُ
وقال الآخر: [الرجز]
198- حُوكَتْ عَلَى نَولَيْنِ إذْ تُحَاكُ   تَخْتَبِطُ الشَّوْكَ وَلاَ تُشَاكُ
وقال الأخفش: " ويجوز " قُيُل " بضم القاء والياء " ، يعني مع الياء؛ لأن الياء تضم أيضاً.

السابقالتالي
2 3 4 5 6