الرئيسية - التفاسير


* تفسير اللباب في علوم الكتاب/ ابن عادل (ت 880 هـ) مصنف و مدقق


{ وَقَالُواْ ٱتَّخَذَ ٱللَّهُ وَلَداً سُبْحَـٰنَهُ بَل لَّهُ مَا فِي ٱلسَّمَـٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ كُلٌّ لَّهُ قَانِتُونَ } * { بَدِيعُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ وَإِذَا قَضَىٰ أَمْراً فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ }

فصل

قرأ الجمهور: " وَقَالُوا " بالواو عطفاً لهذه الجملة الخبرية على ما قبلها، وهو أحسن في الربط.

وقيل: هي معطوفة على قوله: " وَسَعَى " فيكون قد عطف على الصّلة مع الفعل بهذه الجمل الكثيرة، وهذا ينبغي أن ينزّه القرآن عن مثله.

وقرأ ابن عامر ـ وكذلك هي في مصاحف " الشام ": " قَالُوا " من غير " واو " ، وكذلك يحتمل وجهين:

أحدهما: الاستئناف.

والثاني: حذف حرف العَطْف وهو مراد، استغناءً عنه بربط الضَّمير بما قبل هذه الجملة، و " اتَّخَذَ " يجوز أن يكون بمعنى عمل وصنع، فيتعدّى لمفعول واحد، وأن يكون بمعنى صَيَّر، فيتعدّى لاثنين، ويكون الأول هنا محذوفاً تقديره: وقالوا: اتخذ الله بعض الموجودات ولداً، إلا أنه مع كثرة دور هذا التركيب لم يذكر معها إلا مَفْعُول واحد:وَقَالُواْ ٱتَّخَذَ ٱلرَّحْمَـٰنُ وَلَداً } [الأنبياء:26]،مَا ٱتَّخَذَ ٱللَّهُ مِن وَلَدٍ } [المؤمنون:91]،وَمَا يَنبَغِي لِلرَّحْمَـٰنِ أَن يَتَّخِذَ وَلَداً } [مريم:92]. والوَلد فعل بمعنى مفعول كالقَبْض والنقص وهو غير مقيس والمصدر: الولادة والوليدية وهذا الثاني غريب.

وقوله: " سبحانه ".

قال القرطبي رحمه الله تعالى: " سُبْحَان " منصوب على المصدر، ومعناه التبرئة والتنزيه عما قالوا.

قوله تعالى: { بَل لَّهُ مَا فِي ٱلسَّمَٰوَاتِ وَٱلأَرْضِ }.

" بَل " إضراب وانتقال، و " لَهُ " خبر مقدم، و " ما " مبتدأ مؤخر، وأتى هنا بـ " مَا "؛ لأنه إذا اختلط العاقل بغيره كان المتكلّم مخيراً في " مَا " و " مَنْ " ، ولذلك لما اعتبر العقلاء غلبهم في قوله " قَانِتُونَ " ، فجاء بصيغة السَّلامة المختصّة بالعقلاء.

قال الزمخشري فإن قلت: كيف جاء بـ " مَا " التي لغير أولي العلم مع قوله: " قَانِتُونَ ".

قلت: هو كقوله: " سبحان ما سخركن لنا " وكأنه جاء بـ " ما " دون " من " تحقيراً لهم وتصغيراً لشأنهم، وهذا جنوح منه إلى أن " ما " قد تقع على أولي العلم، ولكن المشهور خلافه.

وأما قوله: " سُبْحان ما سَخَّرَكُنَّ لَنَا " فسبحان غير مضاف، بل هو كقوله:
752ـ...............     سُبْحَانَ مِنْ عَلْقَمَةَ..........
و " ما " مصدرية ظرفية.

قوله تعالى: { كُلٌّ لَّهُ قَانِتُونَ } مبتدأ وخبر، و " كُلٌّ " مضافة إلى محذوف تقديراً، أي: كلّ مَنْ في السموات والأرض.

وقال الزمخشري: ويجوز أن يكون كل من جعلوه لله ولداً كذا قال أبو حيان رحمه الله تعالى. وهذا بعيد جداً، لأن المجعول ولداً لم يَجْرِ له ذكر، ولأن الخبر يشترك فيه المجعول ولداًَ وغيره.

قوله: " لم يَجْرِ له ذكر " بل قد جرى ذكره فلا بُعْدَ فيه.

السابقالتالي
2 3 4 5 6 7 8 9