الرئيسية - التفاسير


* تفسير اللباب في علوم الكتاب/ ابن عادل (ت 880 هـ) مصنف و مدقق


{ وَقَالَتِ ٱلْيَهُودُ لَيْسَتِ ٱلنَّصَارَىٰ عَلَىٰ شَيْءٍ وَقَالَتِ ٱلنَّصَارَىٰ لَيْسَتِ ٱلْيَهُودُ عَلَىٰ شَيْءٍ وَهُمْ يَتْلُونَ ٱلْكِتَابَ كَذَلِكَ قَالَ ٱلَّذِينَ لاَ يَعْلَمُونَ مِثْلَ قَوْلِهِمْ فَٱللَّهُ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ فِيمَا كَانُواْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ }

اليهودُ ملَّة معروفة، والياء فيه أصلية لثبوتها في التَّصريف، وليست من مادّة " هود " من قوله تعالى:هُوداً أَوْ نَصَارَىٰ } [البقرة:111] وقد تقدم أن الفراء رحمه الله يدعي أن " هُوداً " أصله: يَهُود، فحذفت ياؤه، وتقدم أيضاً عند قوله تعالى:وَٱلَّذِينَ هَادُواْ } [البقرة:62] أن اليهود نسبة لـ " يهوذا بن يَعْقُوب ".

وقال الشَّلَوْبِينُ: يهود فيها وجهان:

أحدهما: أن تكون جمع يَهُودِيّ، فتكون نكرة مصروفةً.

والثاني: أن تكون عَلَماً لهذه القبيلة، فتكون ممنوعةً من الصرف. انتهى، وعلى الأول دخلت الألف واللام، وعلى الثاني قوله: [الطويل]
742ـ أُولَئِكَ أَوْلَى مِنْ يَهُودَ بِمِدْحَةٍ     إِذَا أَنْتَ يَوْماً قُلْتَهَا لَمْ تُؤَنَّبِ
وقال آخر: [الكامل]
743ـ فَرّتْ يَهُودُ وَأَسْلَمَتْ جِيرَانُهَا     .........................
ولو قيل بأن " يهود " منقول من الفعل المُضَارع نحو: يزيد ويشكر لكان قَوْلاً حسناً. ويؤيده قولهم: سمّوا يهوداً لاشتقاقهم من هَادَ يَهُودُ إذا تحرك.

قوله تعالى: " لَيْسَت النَّصَارَى " " ليس " فعل ناقص أبداً من أخوات " كان " ولا يتصرف، ووزنه على " فَعِل " بكسر العين، كان من حق فائه أن تكسر إذا أسند إلى تاء المتكلم ونحوها على الياء مثل: شئت، إلا أنه لما لم ينصرف بقيت " الفاء " على حالها.

وقال بعضهم: " ليست " بضم الفاء، ووزنه على هذه اللغة: فَعُل بضم العين، ومجيء فَعُل بضمّ العين فيما عينه ياء نادر، لم يجىء منه إلاَّ " هيؤ الرجل " ، إذا حسنت هيئته.

وكون " ليس " فعلاً هو الصحيح خلافاً للفارسي في أحد قوليه، ومن تابعه في جعلها حرفاً كـ " ما " كما قيل ويدلّ على فعليتها اتصال ضمائر الرَّفْع البارزة بها، ولها أحكام كثيرة، و " النَّصَارى " اسمها، و " عَلَى شَيْءٍ " خبرها، وهذا يحتمل أن يكون مما حذفت فيه الصفة، أي على شيء معتدّ به كقوله سبحانه وتعالى:إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ } [هود:46] أي: أهلك الناجين، وقوله: [الطويل]
744ـ........................     ............... لَقَدْ وَقَعْتِ عَلَى لَحْمِ
أي: لحم عظيم، وأن يكون نفياً على سبيل المُبَالغة، فإذا نفى إطلاق الشيء على ما هم عليه، مع أن الشيء يُطْلق على المعدوم عند بعضهم كان ذلك مبالغة في عدم الاعتداد به، وصار كقوله: " أقل من لا شيء ".

فصل في سبب نزول هذه الآية

روي أن وفد نجران لما قدموا على رسول الله صلى الله عليه وسلم أتاهم أحبار اليهود، فتناظروا حتى ارتفعت أصواتهم، فقالت اليهود: ما أنتم على شيء من الدين، وكفروا بعيسى عليه السلام والإنجيل.

وقالت النصارى لهم نحوه، وكفروا بموسى عليه السَّلام والتوراة، فأنزل الله هذه الآية.

واختلفوا فيمن هم الذين عناهم الله ـ تعالى ـ أَهُمُ الذين كانوا زمن بعثة عيسى عليه السلام أو في زمن محمد عليه السلام؟

[فإن قيل: كيف قالوا ذلك مع أن الفريقين كانوا يثبتون الصَّانع وصفاته سبحانه، وذلك قول فيه فائدة؟

والجواب عندهم من وجهين:

الأول: أنهم لما ضمّوا إلى ذلك القول الحسن قَوْلاً باطلاً يحبط ثواب الأول، فكأنهم لم يأتوا بذلك الحق.

السابقالتالي
2 3