الرئيسية - التفاسير


* تفسير اللباب في علوم الكتاب/ ابن عادل (ت 880 هـ) مصنف و مدقق


{ وَقَالُواْ لَن يَدْخُلَ ٱلْجَنَّةَ إِلاَّ مَن كَانَ هُوداً أَوْ نَصَارَىٰ تِلْكَ أَمَانِيُّهُمْ قُلْ هَاتُواْ بُرْهَانَكُمْ إِن كُنْتُمْ صَادِقِينَ } * { بَلَىٰ مَنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ للَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَلَهُ أَجْرُهُ عِندَ رَبِّهِ وَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ }

اعلم أن هذا نوع آخر من تخليط اليهود، وإلقاء الشبه في قلوب المسلمين.

قوله تعالى: { إلاَّ مَن كَانَ هُوداً }.

" من " فاعل بقوله: " يَدْخُلَ " وهو استثناء مفرغ، فإن ما قبل " إلاّ " مفتقر لما بعدها، والتقدير: لن يدخل الجنّة أحد، وعلى مذهب الفرَّاء يجوز في " مَنْ " وجهان آخران، وهما النَّصْب على الاستثناء والرفع على البدل من " أحد " المحذوف، فإن الفراء رحمه الله تعالى يراعي المحذوف، وهو لو صرّح به لجاز في المستثنى الوجهان المذكوران، فكذلك جاز مع التقدير عنده، وقد تقدّم تحقيق المذهبين.

والجملة من قوله تعالى: { لَن يَدْخُلَ ٱلْجَنَّةَ إِلاَّ مَن } في محلّ نصب بالقول، وحمل أولاً على لفظ " من " فأفرد الضمير في قوله: " كان " ، وعلى معناها ثانياً فجمع في خبرها وهو " هوداً " ، وفي مثل هاتين الجملتين خلاف، أعني أن يكون الخبر غير فعل، بل وصفاً يفصل بين مذكره ومؤنثه تاء التأنيث.

فمذهب جمهور البصريين والكوفيين جوازه، ومذهب غيرهم منعه، منهم أبو العَبَّاس، وهم محجوجون بسماعه من العرب كهذه الآية، فإن هوداً جمع " هائد " على أظهر القولين، نحو: بازل وبُزْل، وعَائد وعُوْد، وحَائِل وحُوْل، وبائِر وبُوْر.

و " هائد " من الأوصاف، الفارقُ بين مذكَّرها ومؤنثها " تاء " التأنيث؛ قال الشاعر: [المتقارب]
738ـ وَأَيْقَظَ مَنْ كَانَ مِنْكُمْ نِيَامَا   
و " نيام " جمع نائم، وهو كالأول.

وفي " هود " ثلاثة أقوال:

أحدها: أنه جمع هائد كما تقدم.

والثاني: أنه مصدر على " فُعَل " نحو حزن وشرب يوصف به الواحد وغيره نحو: عدل وصوم.

والثالث: وهو قول الفراء أن أصله " يهود " ، فحذفت الياء من أوله، وهذا بعيد.

و " أو " هنا للتَّفْصيل والتنويع؛ لأنه لما لَفَّ الضميرَ في قوله تعالى: " وقالوا ": فَصَّل القائلين، وذلك لفهم المعنى، وأمن الإلباس، والتقدير: [وقال اليَهُودُ: لن يدخل الجَنَّة إلاَّ من كان هوداً.

وقال الأنصاري: لن يدخل إلاَّ من كان نصارى]؛ لأن من المعلوم أنَّ اليهود لا تقول: لن يدخل الجنة إلا من كان يهودياً، وكذلك النصارى لا تقول: [لا يدخل الجنة إلا من كان نصرانياً].

ونظيره قوله:وَقَالُواْ كُونُواْ هُوداً أَوْ نَصَارَىٰ } [البقرة:135] إذ معلوم أن اليهود لا تقول: كونوا نصارى، ولا النَّصَارى تقول: كونوا هوداً.

وصدرت الجملة بالنفي بـ " لن "؛ لأنها تخلص المضارع للاستقبال، ودخول الجنة مستقبل. وقدمت اليهود على النصارى لَفْظاً لتقدمهم زماناً.

وقرأ أُبيّ بن كعب { إلاَّ مَنْ كَانَ يَهُودِيًّا أو نَصْرَانِيًّا }.

قوله تعالى: " تِلْكَ أَمَانِيُّهُمْ " " تلك " مبتدأ، و " أَمَانِيُّهُمْ " خبره، ولا محلّ لهذه الجملة من الإعراب لكونها وقعت اعتراضاً بين قوله: " وَقَالُوا " ، وبين قوله تعالى: { قُلْ هَاتُواْ بُرْهَانَكُمْ } ، فهي اعتراض بين الدعوى ودليلها.

السابقالتالي
2 3 4