الرئيسية - التفاسير


* تفسير اللباب في علوم الكتاب/ ابن عادل (ت 880 هـ) مصنف و مدقق


{ يَٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَقُولُواْ رَاعِنَا وَقُولُواْ ٱنْظُرْنَا وَٱسْمَعُواْ وَلِلكَافِرِينَ عَذَابٌ أَلِيمٌ }

اعلم أن الله ـ تعالى ـ لما شرح قبائح أفعالهم قبل مبعث محمد ـ عليه الصلاة والسلام ـ أراد أن يشرح قبائح أفعالهم عند مبعث محمد صلى الله عليه وسلم وجدّهم واجتهادهم في القَدْحِ فيه والطعن في دينه.

واعلم أنّ الله ـ تعالى ـ خاطب المؤمنين بقوله تعالى: { يَا أَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ } في ثمانية وثمانين موضعاً من القرآن.

قال ابن عباس رضي الله عنه: " وكان يخاطب في التوراة بقوله: يا أيها المَسَاكين ".

فصل في لفظ راعنا

روي أن المسلمين كانوا يقولون: راعنا يا رسول الله من المُرَاعاة، أي: راعنا سمعك أي فَرّغ سمعك لكلامنا، يقال: رعى إلى الشيء وَرَعَاه، أي: أَصْغى إليه وأسمعه، وكانت هذه اللفظة شيئاً قبيحاً بلغة اليهود.

وقيل: معناه عندهم اسمع لا سمعت.

وقيل: هو من الرُّعونة، وإذا أرادوا أن يحمقوا إنساناً قالوا: راعنا بمعنى يا أحمق، فلما سمع اليهود هذه اللفظة من المسلمين قالوا فيما بينهم: كنا نسبُّ محمداً سرًّا، فأعلنوا به الآن، فكانوا يأتونه ويقولون: راعنا يا محمد، ويضحكون فيما بينهم، فسمعها سعد بن مُعَاذٍ، ففطن لها، وكان يعرف لغتهم، فقال لليهود: لئن سمعتها من أحد منكم يقولها لرسول الله صلى الله عليه وسلم لأضربن عُنُقه قالوا: أو لستم تقولونها؟ فأنزل الله تعالى: { يَا أيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ لاَ تَقُولوا: رَاعِنَا } لكي لا يتخذ اليهود ذلك سبيلاً إلى شَتْم رسول الله صلى الله عليه وسلم { وَقُولُواْ ٱنظُرْنَا } ويدلّ على هذا قوله تعالى في سورة " النساء ":وَيَقُولُونَ سَمِعْنَا وَعَصَيْنَا وَٱسْمَعْ غَيْرَ مُسْمَعٍ وَرَاعِنَا لَيّاً بِأَلْسِنَتِهِمْ وَطَعْناً فِي ٱلدِّينِ } [النساء:46].

قال قُطْرب: هذه الكلمة وإن كانت صحيحة المعنى، إلاّ أن أهل " الحجاز " ما كانوا يقولونها إلاّ عند الهَزْل والسخرية، فلا جرم نهى الله عنها.

وقيل: إن اليهود كانوا يقولون: راعنا أي: أنت راعي غنمنا فنهاهم الله عنها.

وقيل: قوله: " راعنا " خطاب مع الاستعلاء كأنه يقول: راعِ كلامي فلا تغفل عنه، ولا تشتغل بغيره، وليس في قوله: " انظرنا " إلا سؤال الانتظار إلى مقدار ما يصل إلى فهم كلامه.

والجمهور على أن " راعنا " أمر من المُرَاعاة، وهي النظر في مصالح الإنسان، وتدبر أموره، و " راعنا " يقتضي المشاركة؛ لأن معناه: ليكن منك رعاية لنا، وليكن منا رعاية لك، فنهوا عن ذلك؛ لأن فيه مساواتهم به عليه الصلاة والسلام.

وبين أنه لا بد من تعظيم الرسول صلى الله عليه وسلم في المُخَاطبة كما قال تعالى:لاَّ تَجْعَلُواْ دُعَآءَ ٱلرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعَآءِ بَعْضِكُم بَعْضاً } [النور:63].

وقرأ الحسن وأبو حيوة: " رَاعِناً " بالتنوين، ووجهه أنه صفة لمصدر محذوف، أي: قولاً راعناً، وهو على طريق النسب كـ " لابنٍ " و " تامِرٍ " ، والمعنى: لا تقولوا قولاً ذا رُعونَةٍ.

السابقالتالي
2 3