الرئيسية - التفاسير


* تفسير اللباب في علوم الكتاب/ ابن عادل (ت 880 هـ) مصنف و مدقق


{ وَلَوْ أَنَّهُمْ آمَنُواْ وٱتَّقَوْا لَمَثُوبَةٌ مِّنْ عِندِ ٱللَّهِ خَيْرٌ لَّوْ كَانُواْ يَعْلَمُونَ }

قوله تعالى: { وَلَوْ أَنَّهُمْ ءَامَنُواْ } " لو " هنا فيها قولان:

أحدهما: أنها على بابها من كونها حرفاً لما كان سيقع لوقوع غيره، وسيأتي الكلام في جوابها، وأجاز الزمخشري رحمه الله تعالى أن تكون للتمني أي: لَيْتَهُمْ آمنوا على سبيل المجاز عن إرادة الله إيمانهم، واختيارهم له، فعلى هذا لا يلزم أن يكون لها جواب، لأنها قد تجاب بالفاء حينئذ، وفي كلامه اعتزال.

و " أنهم آمنوا " مؤول بمصدر، وهو في محل رفع، [وفيه قولان] أحدهما ـ وهو قول سيبويه ـ: أنه في محلّ رفع بالابتداء، وخبره محذوف تقديره: ولو كان إيمانهم ثابت، وشذّ وقوع الاسم بعد " لو " ، وإن كانت مختصة بالأفعال، كما شذ نصب " غدوة " بعد " لدن ".

وقيل: لا يحتاج هذا المبتدأ إلى خبر لجريان لفظ المسند والمسند إليه في صلة " أنَّ ".

وصحح أبو حَيَّان هذا فى سورة " النساء " وهذا يشبه الخلاف في " أن " الواقعة بعد " ظنّ وأخواتها " ، وتقدم تحقيقه.

والثاني: وهو قول المبرد أنه في محلّ رفع بالفاعلية، رافعه محذوف تقديره: ولو ثبت إيمانهم؛ لأنها لا يليها إلاَّ الفعل ظاهراً أو مضمراً، وقد ردّ بعضهم هذا بأنه لا يضمر بعدها الفعل إلا مفسَّراً بفعل مثله، ودليل كلا القولين مذكور في كتب النحو. والضمير في " أنهم " فيه قولان:

أحدهما: عائد على اليهود،

والثاني: على الذين يعلمون [الناس] السحر.

قال ابن الخطيب: إنَّ الله ـ تعالى ـ لما قال:نَبَذَ فَرِيقٌ مِّنَ ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلْكِتَابَ كِتَابَ ٱللَّهِ وَرَآءَ ظُهُورِهِمْ } [البقرة:101] ثم وصفهم بأنهموَٱتَّبَعُوا مَا تَتْلُواْ ٱلشَّيَٰطِينُ } [البقرة:102]، وأنهم تمسّكوا بالسحر قال بعده: { وَلَوْ أَنَّهُمْ ءَامَنُواْ } يعنى بما نبذوه من كتاب الله.

فإن حملت ذلك على القرآن جاز، وإن حملته على كتابهم المصدق للقرآن جاز، وإن حملته على الأمرين جاز، والمراد بالتقوى الاحتراز عن فعل المنهيات، وترك المأمورات.

قوله تعالى: { لَمَثُوبَةٌ مِّنْ عِندِ ٱللهِ }.

في هذه اللام قولان:

أحدهما: أنها لام الابتداء، وأن ما بعدها استئناف إخبار بذلك، وليس متعلقاً بإيمانهم وتقواهم، ولا مترتباً عليه، وعلى هذا فجواب " لو " محذوف إذا قيل بأنها ليست للتمني، أو قيل بأنها للتمني، ويكون لها جواب تقديره: لأثيبوا.

والثاني: أنها جواب " لو " ، فإن " لو " تجاب بالجملة الاسمية.

قال الزمخشري رحمه الله تعالى: أوثرت الجملة الاسمية على الفعلية في جواب " لو " لما في ذلك من الدلالة على ثبوت المَثُوبَةِ واستقرارها، كما عَدَلَ عن النصب إلى الرفع فيسَلاَمٌ عَلَيْكُم } [الأنعام:54] لذلك. [وفي] وقوع جواب " لو " جملة اسمية نظر يحتاج إلى دليل غير مَحلّ النزاع.

السابقالتالي
2