قوله: { وَٱتَّبَعُواْ مَا تَتْلُواْ ٱلشَّيَاطِينُ }: هذه الجملة معطوفة على مجموع الجملة السابقة من قوله: " ولما جاءهم " إلى آخرها. وقال أبو البقاء: إنها معطوفة على " أشربوا " أو على " نبذ فريق " ، وهذا ليس بظاهر؛ لأن عطفها على " نبذ " يقتضي كونها جواباً لقوله تعالى:{ وَلَمَّآ جَآءَهُمْ رَسُولٌ } [البقرة:101]. واتِّباعُهُم لما تتلو الشياطين ليس مترتباً على مجيء الرسول عليه الصَّلاة والسَّلام ـ بل كان اتباعهم لذلك قبله، فالأولى أن تكون معطوفة على جملة " لما " كما تقدم، و " ما " موصولة، وعائدها محذوف، والتقدير: تتلوه. وقيل: " ما " نافية، وهو غلط فاحش لا يقتضيه نظم الكلام، [ذكره] ابن العربي. و " يتلو " في معنى " تلت " فهو مضارع واقع موقع الماضي؛ كقوله: [الكامل]
692ـ وَإِذَا مَرَرْتَ بِقَبْرِهِ فَاعْقِرْ بِهِ
كُومَ الهِجَانِ وَكُلَّ طَرْفٍ سَابِحِ
وانْضَحْ جَوَانِبَ قَبْرهِ بِدِمَائِهَا
فَلَقَدْ يَكُونُ أَخَا دَمٍ وَذَبَائِحِ
أي: فلقد كان. وقال الكوفيون: الأصل: وما كانت تتلو الشياطين، ولا يريدون بذلك أن صلة " ما " محذوفة، وهي " كانت " و " تتلو " في موضع الخبر، وإنما قصدوا تفسير المعنى، وهو نظير: " كان زيد يقوم " المعنى على الإخبار، وبقيامه في الزمن الماضي، وقرأ الحسن والضحاك " الشياطون " إجراء له مجرى جمع السَّلامة، قالوا: وهو غلط. وقال بعضهم: لحن فاحش. وحكى الأصمعي " بُسْتَانُ فُلاَنٍ حَوْلَهُ بساتون " وهو يقوي قراءة الحسن. قوله تعالى: { عَلَىٰ مُلْكِ سُلَيْمَانَ } فيه قولان: أحدهما: أنه على معنى " في " ، أي: في زمن ملكه، والمُلْكُ هنا شَرْعه. والثاني: أن يضمن تتلو معنى تَتقوَّل أي: تتقول على ملك سليمان، وتَقَوَّل يتعدى بعلى، قال تعالى:{ وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنَا بَعْضَ ٱلأَقَاوِيلِ } [الحاقة:44]. وهذا الثاني أولى، فإن التجوّز في الأفعال أولى من التجوّز في الحروف، وهو مذهب البصْريين ـ كما تقدم ـ وإنما أحْوَجَ إلى هذين التأويلين؛ لأن تلا إذا تعدَّى بـ " على " كان المجرور بـ " على " شيئاً يصحّ أن يتلى عليه نحو: تلوت على زيد القرآن، والملك ليس كذلك. قال أبو مسلم: " تتلو " أي: تكذب على ملك سليمان يقال: تلا عليه: إذا كذب وتلا عنه إذا صدق. وإذا أبهم جاز الأمران. قال ابن الخطيب: أي يكون الذي كانوا يخبرون به عن سليمان مما يتلى ويقرأ فيجتمع فيه كل الأوصاف، والتلاوة: الاتباع أو القراءة وهو قريب منه. قال أبو العباس المقرىء: و " على " ترد على ثلاثة أوجه: الأول: بمعنى " في " كهذه الآية. وبمعنى " اللام " ، قال تعالى