الرئيسية - التفاسير


* تفسير اللباب في علوم الكتاب/ ابن عادل (ت 880 هـ) مصنف و مدقق


{ وَٱتَّبَعُواْ مَا تَتْلُواْ ٱلشَّيَـٰطِينُ عَلَىٰ مُلْكِ سُلَيْمَـٰنَ وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَـٰنُ وَلَـٰكِنَّ ٱلشَّيَـٰطِينَ كَفَرُواْ يُعَلِّمُونَ ٱلنَّاسَ ٱلسِّحْرَ وَمَآ أُنْزِلَ عَلَى ٱلْمَلَكَيْنِ بِبَابِلَ هَـٰرُوتَ وَمَـٰرُوتَ وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّىٰ يَقُولاَ إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلاَ تَكْفُرْ فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُمَا مَا يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ ٱلْمَرْءِ وَزَوْجِهِ وَمَا هُم بِضَآرِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلاَّ بِإِذْنِ ٱللَّهِ وَيَتَعَلَّمُونَ مَا يَضُرُّهُمْ وَلاَ يَنفَعُهُمْ وَلَقَدْ عَلِمُواْ لَمَنِ ٱشْتَرَاهُ مَا لَهُ فِي ٱلآخِرَةِ مِنْ خَلَٰـقٍ وَلَبِئْسَ مَا شَرَوْاْ بِهِ أَنْفُسَهُمْ لَوْ كَانُواْ يَعْلَمُونَ }

قوله: { وَٱتَّبَعُواْ مَا تَتْلُواْ ٱلشَّيَاطِينُ }: هذه الجملة معطوفة على مجموع الجملة السابقة من قوله: " ولما جاءهم " إلى آخرها.

وقال أبو البقاء: إنها معطوفة على " أشربوا " أو على " نبذ فريق " ، وهذا ليس بظاهر؛ لأن عطفها على " نبذ " يقتضي كونها جواباً لقوله تعالى:وَلَمَّآ جَآءَهُمْ رَسُولٌ } [البقرة:101].

واتِّباعُهُم لما تتلو الشياطين ليس مترتباً على مجيء الرسول عليه الصَّلاة والسَّلام ـ بل كان اتباعهم لذلك قبله، فالأولى أن تكون معطوفة على جملة " لما " كما تقدم، و " ما " موصولة، وعائدها محذوف، والتقدير: تتلوه.

وقيل: " ما " نافية، وهو غلط فاحش لا يقتضيه نظم الكلام، [ذكره] ابن العربي.

و " يتلو " في معنى " تلت " فهو مضارع واقع موقع الماضي؛ كقوله: [الكامل]
692ـ وَإِذَا مَرَرْتَ بِقَبْرِهِ فَاعْقِرْ بِهِ     كُومَ الهِجَانِ وَكُلَّ طَرْفٍ سَابِحِ
وانْضَحْ جَوَانِبَ قَبْرهِ بِدِمَائِهَا     فَلَقَدْ يَكُونُ أَخَا دَمٍ وَذَبَائِحِ
أي: فلقد كان.

وقال الكوفيون: الأصل: وما كانت تتلو الشياطين، ولا يريدون بذلك أن صلة " ما " محذوفة، وهي " كانت " و " تتلو " في موضع الخبر، وإنما قصدوا تفسير المعنى، وهو نظير: " كان زيد يقوم " المعنى على الإخبار، وبقيامه في الزمن الماضي، وقرأ الحسن والضحاك " الشياطون " إجراء له مجرى جمع السَّلامة، قالوا: وهو غلط. وقال بعضهم: لحن فاحش.

وحكى الأصمعي " بُسْتَانُ فُلاَنٍ حَوْلَهُ بساتون " وهو يقوي قراءة الحسن.

قوله تعالى: { عَلَىٰ مُلْكِ سُلَيْمَانَ } فيه قولان:

أحدهما: أنه على معنى " في " ، أي: في زمن ملكه، والمُلْكُ هنا شَرْعه.

والثاني: أن يضمن تتلو معنى تَتقوَّل أي: تتقول على ملك سليمان، وتَقَوَّل يتعدى بعلى، قال تعالى:وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنَا بَعْضَ ٱلأَقَاوِيلِ } [الحاقة:44].

وهذا الثاني أولى، فإن التجوّز في الأفعال أولى من التجوّز في الحروف، وهو مذهب البصْريين ـ كما تقدم ـ وإنما أحْوَجَ إلى هذين التأويلين؛ لأن تلا إذا تعدَّى بـ " على " كان المجرور بـ " على " شيئاً يصحّ أن يتلى عليه نحو: تلوت على زيد القرآن، والملك ليس كذلك.

قال أبو مسلم: " تتلو " أي: تكذب على ملك سليمان يقال: تلا عليه: إذا كذب وتلا عنه إذا صدق. وإذا أبهم جاز الأمران.

قال ابن الخطيب: أي يكون الذي كانوا يخبرون به عن سليمان مما يتلى ويقرأ فيجتمع فيه كل الأوصاف، والتلاوة: الاتباع أو القراءة وهو قريب منه.

قال أبو العباس المقرىء: و " على " ترد على ثلاثة أوجه:

الأول: بمعنى " في " كهذه الآية.

وبمعنى " اللام " ، قال تعالى

السابقالتالي
2 3 4 5 6 7 8 9 10  مزيد