الرئيسية - التفاسير


* تفسير اللباب في علوم الكتاب/ ابن عادل (ت 880 هـ) مصنف و مدقق


{ أَوَكُلَّمَا عَاهَدُواْ عَهْداً نَّبَذَهُ فَرِيقٌ مِّنْهُم بَلْ أَكْثَرُهُمْ لاَ يُؤْمِنُونَ }

الجمهور على تحريك واو " أَوَكلما " ، واختلف النحويون في ذلك على ثلاثة أقوال:

فقال الأخفش: إن الهمزة للاستفهام، والواو زائدة وهذا على رأيه في جواز زيادتها.

وقال الكسائي هي " أو " العاطفة التي بمعنى " بل " وإنما حركت الواو.

ويؤيده قراءة من قرأها ساكنة.

وقال البصريون: هي واو العطف قدمت عليها همزة الاستفهام على ما عرف.

قال القرطبي: كما دخلت همزة الاستفهام على " الفاء " في قوله:أَفَحُكْمَ ٱلْجَاهِلِيَّةِ } [المائدة:50]،أَفَأَنتَ تُسْمِعُ ٱلصُّمَّ } [يونس:42]،أَفَتَتَّخِذُونَهُ وَذُرِّيَّتَهُ } [الكهف:50].

وعلى " ثم " كقوله:أَثُمَّ إِذَا مَا } [يونس:51].

وقد تقدم أن الزمخشري يقدر بين الهمزة وحرف العطف شيئاً يعطف عليه ما بعده، لذلك قدره هُنَا: أكفروا بالآيات البينات، وكلما عاهدوا.

وقرأ أبو السّمَال العدوي: " أوْ كلما " ساكنة الواو، وفيها ثلاثة أقوال: فقال الزمخشري: إنها عاطفة على " الفاسقين " ، وقدره بمعنى إلا الذين فسقوا أو نقضوا، يعني به: أنه عطف الفعل على الاسم؛ لأنه في تأويله كقوله:إِنَّ ٱلْمُصَّدِّقِينَ وَٱلْمُصَّدِّقَاتِ وَأَقْرَضُواْ } [الحديد:18] أي: الذين اصَّدَّقُوا وأقرضوا.

وفي هذا كلام يأتي في سورته إن شاء الله تعالى.

وقال المهدوي: " أو " لانقطاع الكلام بمنزلة " أم " المنقطعة، يعني أنها بمعنى " بل " ، وهذا رأى الكوفيين، وقد تقدم تحريره وما استدلّوا به من قوله: [الطويل]
687ـ................     ..... أَوْ أَنْتَ فِي الْعَيْنِ أَمْلَحُ
في أول السورة.

وقال بعضهم: هي بمعنى " الواو " فتتفق القراءتان، وقد وردت " أو " بمنزلة " الواو " كقوله: [الكامل]
688ـ........................     مَا بَيْنَ مُلْجِمِ مُهْرِهِ أَوْ سَافِعِ
خَطِيۤئَةً أَوْ إِثْماً } [النساء:112]آثِماً أَوْ كَفُوراً } [الإنسان:24] فلتكن [هنا] كذلك، وهذا أيضاً رأي الكوفيين.

والناصب لـ " كلّما " بعده، وقد تقدم تحقيق القول فيها، وانتصاب " عَهْداً " على أحد وجهين: إما على المصدر الجاري على غير المصدر وكان الأصل: " مُعَاهَدَة " أو على المفعول به على أن يضمن عاهدوا معنى " أَعْطوْا " ويكون المفعول الأول محذوفاً، والتقدير: عاهدوا الله عَهْداً.

وقرىء: " عَهِدُوا " فيكون " عَهْداً " مصدراً جارياً على صدره.

وقرىء أيضاً: " عُوهِدُوا " مبيناً للمفعول.

قال ابن الخطيب: المقصود من هذا الاستفهام، الإنكار، وإعظام ما يقدمون عليه، ودلّ قوله: " أو كلما عاهدوا " على عهد بعد عهد نقضوه، ونبذوه، ويدل على أن ذلك كالعادة فيهم، فكأنه ـ تعالى ـ أراد تسلية الرسول ـ عليه الصلاة والسلام ـ عن كفرهم بما أنزل عليه من الآيات بأن ذلك ليس ببدع منهم، بل هو سجيّتهم وعادتهم، وعادة سَلَفهم على ما بيّنه فيما تقدم من نَقْضهم العهود والمواثيق حالاً بعد حال؛ لأن من يعتاد منه هذه الطريقة، فلا يصعب على النفس مُخَالفته كصعوبة مَنْ لم تَجْرِ عادته بذلك.

السابقالتالي
2