الرئيسية - التفاسير


* تفسير اللباب في علوم الكتاب/ ابن عادل (ت 880 هـ) مصنف و مدقق


{ يٰزَكَرِيَّآ إِنَّا نُبَشِّرُكَ بِغُلاَمٍ ٱسْمُهُ يَحْيَىٰ لَمْ نَجْعَل لَّهُ مِن قَبْلُ سَمِيّاً } * { قَالَ رَبِّ أَنَّىٰ يَكُونُ لِي غُلاَمٌ وَكَانَتِ ٱمْرَأَتِي عَاقِراً وَقَدْ بَلَغْتُ مِنَ ٱلْكِبَرِ عِتِيّاً } * { قَالَ كَذٰلِكَ قَالَ رَبُّكَ هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ وَقَدْ خَلَقْتُكَ مِن قَبْلُ وَلَمْ تَكُ شَيْئاً } * { قَالَ رَبِّ ٱجْعَل لِيۤ آيَةً قَالَ آيَتُكَ أَلاَّ تُكَلِّمَ ٱلنَّاسَ ثَلاَثَ لَيَالٍ سَوِيّاً } * { فَخَرَجَ عَلَىٰ قَوْمِهِ مِنَ ٱلْمِحْرَابِ فَأَوْحَىٰ إِلَيْهِمْ أَن سَبِّحُواْ بُكْرَةً وَعَشِيّاً } * { يٰيَحْيَىٰ خُذِ ٱلْكِتَابَ بِقُوَّةٍ وَآتَيْنَاهُ ٱلْحُكْمَ صَبِيّاً } * { وَحَنَاناً مِّن لَّدُنَّا وَزَكَاةً وَكَانَ تَقِيّاً } * { وَبَرّاً بِوَالِدَيْهِ وَلَمْ يَكُن جَبَّاراً عَصِيّاً } * { وَسَلاَمٌ عَلَيْهِ يَوْمَ وُلِدَ وَيَوْمَ يَمُوتُ وَيَوْمَ يُبْعَثُ حَياً }

قوله: { يَٰزَكَرِيَّآ إِنَّا نُبَشِّرُكَ بِغُلاَمٍ }.

اختلفُوا في المنادي، فالأكثرون على أنَّه هو الله تعالى؛ لأنَّ زكريَّا إنَّما كان يخاطبُ الله تعالى، ويسأله بقوله:رَبِّ إِنَّي وَهَنَ ٱلْعَظْمُ مِنِّي } [مريم:4]، وبقوله:وَلَمْ أَكُن بِدُعَآئِكَ رَبِّ شَقِيًّا } [مريم:4] وبقوله: " فهب لي " ، وبقوله بعده: { رَبِّ أَنَّىٰ يَكُونُ لِي غُلاَمٌ } ، فوجب أن يكون هذا النداءُ من الله تعالى، وإلاّ لفسد [المعنى و] النَّظْم، وقيل: هذا النداءُ من الملكِ؛ لقوله:فَنَادَتْهُ ٱلْمَلاۤئِكَةُ وَهُوَ قَائِمٌ يُصَلِّي فِي ٱلْمِحْرَابِ أَنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكَ بِيَحْيَـىٰ } [آل عمران: 39].

وأيضاً: فإنه لمَّا قال: { وَقَدْ بَلَغْتُ مِنَ ٱلْكِبَرِ عِتِيًّا قَالَ كَذٰلِكَ قَالَ رَبُّكَ هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ } [مريم: 8، 9].

وهذا لا يجوزُ أن يكونُ كلام الله؛ فوجب أن يكون كلام الملكِ.

ويمكنُ أن يجاب بأنه يحتملُ أنَّه يحصل النداءان: نداءُ الله تعالى، ونداءُ الملائكة.

ويمكنُ أن يكون قوله: { كَذَٰلِكَ قَالَ رَبُّكَ } من كلام الله تعالى، كما سيأتي بيانه - إن شاء الله تعالى -.

فصل

[في] الكلام اختصار، تقديره: استجاب الله دعاءهُ، فقال: { يَٰزَكَرِيَّآ إِنَّا نُبَشِّرُكَ بِغُلاَمٍ }: بولدٍ، ويقال: زكريَّاء " بالمد والقصر " ، ويقال: زكرَى أيضاً، نقله ابن كثيرٍ.

فإن قيل: كان دعاؤهُ بإذنٍ، فما معنى البشارة؟ وإن كان بغير إذنٍ؛ فلماذا أقدم عليه؟.

فالجوابُ: يجوز أن يسأل بغير إذن، ويحتمل أنَّه أذن له فيه، ولم يعلمْ وقته، فبُشِّر به.

قوله: " يَحْيَى ": فيه قولان:

أحدهما: أنه اسمٌ أعجميٌّ، لا اشتقاق له، وهذا هو الظاهرُ، ومنعهُ من الصَّرف؛ للعلميَّة والعجمةِ، وقيل: بل هو منقولٌ من الفعلِ المضارعِ، كما سمَّوا بـ " يَعْمُرَ " و " يعيشَ " و " يَمُوتَ " وهو يموت بنُ المُزرَّع.

والجملة من قوله: " اسْمُهُ يَحْيى " في محلِّ جرِّ صفة لـ " غُلامٍ " وكذلك " لم نجعلْ " و " سَمِيًّا " كقوله: " رَضيًّا " إعراباً وتصريفاً، لأنَّه من السُّمُوِّ، وفيه دلالةٌ لقول البصريين: أن الاسم من السموِّ، ولو كان من الوسم، لقيل: وسيماً.

فصل

قال ابن عباسٍ، والحسنُ، وسعيدُ بنُ جبيرٍ، وعكرمةُ، وقتادةُ: إنَّه لم يسمَّ أحدٌ قبله بهذا الاسم.

وقال سعيدُ بنُ جبيرٍ، وعطاء: لم نجعل له شبهاً ومثلاً؛ لقوله تعالى:هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيًّا } [مريم: 65] أي: مثلاً.

والمعنى: أنه لم يكن له مثلٌ؛ لأنَّهُ لم يعصِ، ولم يهُمَّ بمعصية قط؛ كأنَّه جواب لقولهوَٱجْعَلْهُ رَبِّ رَضِيًّا } [مريم:6] فقيل له: إنَّا نُبشِّرُكَ بغلامٍ، لم نجعلْ له شبيهاً في الدِّين، ومنْ كان كذلك، كان في غايةِ الرضا.

وفي هذا نظرٌ؛ لأنَّه يقتضي تفضيلُه على الأنبياءِ قبله؛ كآدَمَ، ونوحٍ، وإبراهيم، وموسى، [وعيسى]؛ وذلك باطلٌ.

وقيل: لم يكن له مثلٌ في أمر النِّساء؛ لأنَّه كان سيِّداً وحصوراً.

السابقالتالي
2 3 4 5 6 7 8 9 10  مزيد