الرئيسية - التفاسير


* تفسير اللباب في علوم الكتاب/ ابن عادل (ت 880 هـ) مصنف و مدقق


{ وَإِذَا تُتْلَىٰ عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا بَيِّنَٰتٍ قَالَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ لِلَّذِينَ آمَنُوۤاْ أَيُّ ٱلْفَرِيقَيْنِ خَيْرٌ مَّقَاماً وَأَحْسَنُ نَدِيّاً } * { وَكَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُمْ مِّن قَرْنٍ هُمْ أَحْسَنُ أَثَاثاً وَرِءْياً } * { قُلْ مَن كَانَ فِي ٱلضَّلَـٰلَةِ فَلْيَمْدُدْ لَهُ ٱلرَّحْمَـٰنُ مَدّاً حَتَّىٰ إِذَا رَأَوْاْ مَا يُوعَدُونَ إِمَّا ٱلعَذَابَ وَإِمَّا ٱلسَّاعَةَ فَسَيَعْلَمُونَ مَنْ هُوَ شَرٌّ مَّكَاناً وَأَضْعَفُ جُنداً } * { وَيَزِيدُ ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ ٱهْتَدَواْ هُدًى وَٱلْبَاقِيَاتُ ٱلصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِندَ رَبِّكَ ثَوَاباً وَخَيْرٌ مَّرَدّاً }

قوله تعالى: { وَإِذَا تُتْلَىٰ عَلَيْهِمْ ءَايَاتُنَا بَيِّنَاتٍ } الآية.

لما أقام الحجة، على مشركي قريش المنكرين للبعث، وأتبعه بالوعيد حكى عنهم أنهم عارضوا حجة الله بكلام، فقالوا: لو كنتم أنتم على الحق وكنا على الباطل لكان حالكم في الدنيا أحسن من حالنا، لأنَّ الحكيمَ لا يليق به أن يوقع أولياءه المخلصين في الذل وأعداءه المعرضين عن خدمته في العز والراحة، وإنما كان الأمر بالعكس، فإنَّ الكفار في النعمة والراحة والاستعلاء، والمؤمنين كانوا في ذلك الوقت في الخوف والقلة، فدل على أنَّ الحق ليس من المؤمنين، هذا حاصل شبهتهم.

وقوله: { ءَايَاتُنَا بَيِّنَاتٍ } أي: واضحات، وقيل: مرتلات، وقيل: ظاهرات الإعجاز.

{ قَالَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ } يعني النضر بن الحارث وذويه من قريش { لِلَّذِينَ ءَامَنُوۤاْ } يعني فقراء أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، وكانت فيهم قشافة، وفي عيشهم خشونةٌ، وفي ثيابهم رثاثةٌ، وكان المشركون يرجلون شعورهم، ويلبسون خير ثيابهم، فقالوا للمؤمنين { أَيُّ ٱلْفَرِيقَيْنِ خَيْرٌ مَّقَاماً } منزلاً ومسكناً، وهو موضع الإقامة، " وأحْسَنُ نديًّا " أي: مجلساً، ومثله النادي.

قوله: " مَقَاماً ". قرأ ابن كثير " مُقَاماً " بالضم.

ورُويَتْ عن أبي عمرو، وهي قراءة ابن محيصن وهو موضع الإقامة والمنزل.

والباقون بالفتح وفي كلتا القراءتين يحتمل أن يكون اسم مكان " أو اسم مصدر من قَامَ ثلاثياً، أو من أقَامَ أي: خير مكان " قياماً أو إقَامَة.

فصل

قالوا: زيْدٌ خيرٌ من عمروٍ، وشرٌّ من بكر، ولم يقولوا: أخير منه، ولا أشرّ منه، لأنَّ هاتين اللفظتين كثر استعمالهما فحذفت همزتاهما، ولم يثبتا إلا في فعل التعجب، " فقالوا: أخير بزيدٍ وأشرر بعمرو، وما أخْيَر زيْداً ومَا أشرَّ عَمْراً.

والعلة في إثباتها في فعلي التعجب أنَّ " استعمال هاتين اللفظتين اسماً أكثرُ من استعمالهما فعلاً، فحذفت الهمزةُ في موضع " الكثرة، وبقيتْ على أصلها في موضع " القلة ثابتة. والنَّديّ فعيل، أصله: نَدِيو، لأنَّ لامه واو، يقال: ندوتُهُمْ أندوهم، أي: أتَيْتُ نَاديَهُمْ والنَّادِي، مثله، ومنه:فَلْيَدْعُ نَادِيَهُ } [العلق:17] أي: أهل ناديه. والنَّدِيِّ والنَّادي مجلس القوم ومحدثهم.

وقيل: هو مشتق من النَّدى، وهو الكرم، لأنَّ الكرماء يجتمعون فيه. وانْتَديْتُ المكان والمنتدى كذلك، " وقال حاتم ":
3619- ودُعِيتُ في أولَى النَّديِّ ولَمْ   يُنْظَر " إليّ بأ " عْيُنٍ خُزْرِ
والمصدر النَّدو. و " مَقَاماً " و " نَدِيًّا " منصوبان على التمييز من أفعل.

وقرأ أبو حيوة والأعرج وابن محيصن " يُتْلَى " بالياء من تحت، والباقون بالتاء من فوق. واللام في " اللَّذينَ " يحتمل أن تكون للتبليغ، وهو الظاهر، وأن تكون للتعليل.

قوله: { وَكَمْ أَهْلَكْنَا }. " كَمْ " مفعول مقدم، واجب التقديم، لأنَّ له مصدر الكلام، لأنها إمَّا استفهامية أو خبرية، وهي محمولة على الاستفهامية.

السابقالتالي
2 3 4 5