الرئيسية - التفاسير


* تفسير اللباب في علوم الكتاب/ ابن عادل (ت 880 هـ) مصنف و مدقق


{ وَمَا نَتَنَزَّلُ إِلاَّ بِأَمْرِ رَبِّكَ لَهُ مَا بَيْنَ أَيْدِينَا وَمَا خَلْفَنَا وَمَا بَيْنَ ذٰلِكَ وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيّاً } * { رَّبُّ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا فَٱعْبُدْهُ وَٱصْطَبِرْ لِعِبَادَتِهِ هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيّاً } * { وَيَقُولُ ٱلإِنسَانُ أَءِذَا مَا مِتُّ لَسَوْفَ أُخْرَجُ حَيّاً } * { أَوَلاَ يَذْكُرُ ٱلإِنسَٰنُ أَنَّا خَلَقْنَاهُ مِن قَبْلُ وَلَمْ يَكُ شَيْئاً } * { فَوَرَبِّكَ لَنَحْشُرَنَّهُمْ وَٱلشَّيَاطِينَ ثُمَّ لَنُحْضِرَنَّهُمْ حَوْلَ جَهَنَّمَ جِثِيّاً } * { ثُمَّ لَنَنزِعَنَّ مِن كُلِّ شِيعَةٍ أَيُّهُمْ أَشَدُّ عَلَى ٱلرَّحْمَـٰنِ عِتِيّاً } * { ثُمَّ لَنَحْنُ أَعْلَمُ بِٱلَّذِينَ هُمْ أَوْلَىٰ بِهَا صِلِيّاً } * { وَإِن مِّنكُمْ إِلاَّ وَارِدُهَا كَانَ عَلَىٰ رَبِّكَ حَتْماً مَّقْضِيّاً } * { ثُمَّ نُنَجِّي ٱلَّذِينَ ٱتَّقَواْ وَّنَذَرُ ٱلظَّالِمِينَ فِيهَا جِثِيّاً }

قوله تعالى: { وَمَا نَتَنَزَّلُ إِلاَّ بِأَمْرِ رَبِّكَ } الآية. قال ابن عطية: الواو عاطفة جملة كلام على أخرى، واصلة بين القولين، وإن لم يكن معناهما واحداً.

وقد أغرب النقاش في حكاية قول: وهو أن قوله: " وما نَتَنَزَّلُ " متصل بقوله:قَالَ إِنَّمَآ أَنَاْ رَسُولُ رَبِّكِ لاًّهَبَ لَكِ } [مريم: 19].

وقال أبو البقاء: " وما نَتَنَزَّلُ " أي: وتقول الملائكة. فجعله معمولاً لقول مضمر.

وقيل: هو من كلام أهل الجنة. وهو أقرب مما قبله. و " نَتَنَزَّلُ " مطاوع نزَّل - بالتشديد - ويقتضي العمل في مهلة وقد لا يقتضيها. قال الزمخشري: التنزل على معنيين: معنى النزول على مهل، ومعنى النزول على الإطلاق، كقوله:
3612- فَلَسْتُ لإنْسِيّ ولكن لملأكٍ   تَنَزَّلَ من جَوِّ السَّماءِ يَصُوبُ
لأنه مطاوع نزل، ونزل يكون بمعنى أنزل، ويكون بمعنى التدرج، واللائق بهذا الموضع هو النزول على مهل، والمراد: أن نزولنا في الأحايين وقتاً بعد وقت.

قال شهاب الدين: وقد تقدم أنه يفرق بين نزَّل وأنزل في أول هذا الموضوع.

وقرأ العامة " نَتَنَزَّلُ " بنون الجمع. وقرأ الأعرج " يَتَنَزَّلُ " بياء الغيبة، وفي الفاعل حينئذ قولان:

أحدهما: أنه ضمير جبريل - عليه السلام -.

قال ابن عطية: ويرده قوله: { لَهُ مَا بَيْنَ أَيْدِينَا وَمَا خَلْفَنَا } ، لأنه لا يطرد معه، وإنما يتجه أن يكون خبراً عن جبريل أي: القرآن لا يتنزل إلا بأمر الله في الأوقات التي يقدرها. وقد يجاب ابن عطية بأنه على إضمار القول، أي: قائلاً ما بين أيدينا.

والثاني: أنه يعود على الوحي، وكذا قال الزمخشري على الحكاية عن جبريل، والضمير للوحي. ولا بد من إضمار هذا القول أيضاً.

قوله: { لَهُ مَا بَيْنَ أَيْدِينَا }. استدل بعض النحاة على أن الأزمنة ثلاثة: ماض، وحاضر، ومستقبل بهذه الآية وهو كقول زهير:
3613- واعْلَمُ عِلْمَ اليَوْمِ والأمْسِ قَبْلَهُ   ولكِنَّنِي عن عِلْمِ ما فِي غدٍ عَمِ
فصل

روى ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " يا جبريل ما منعك أن تزورنا " فنزلت { وَمَا نَتَنَزَّلُ إِلاَّ بِأَمْرِ رَبِّكَ } الآية. وقال عكرمة والضحاك وقتادة ومقاتل، والكلبي: " احتبس جبريل - عليه السلام - عن النبي صلى الله عليه وسلم حين سأله قومه عن أصحاب الكهف، وذي القرنين، والروح فقال: " أخبركم غداً " ، ولم يقل: إن شاء الله حتى شق على النبي صلى الله عليه وسلم فقال المشركون ودَّعهُ ربه وقلاه، ثم نزل بعد أيام، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم " أبطأت علي حتى ساء ظني، واشتقت إليك " فقال له جبريل - عليه السلام - إني كنت إليك أشوق، ولكنني عبد مأمور، إذا بعثت نزلت، وإذا حبست احتبست "

السابقالتالي
2 3 4 5 6 7 8 9 10  مزيد