الرئيسية - التفاسير


* تفسير اللباب في علوم الكتاب/ ابن عادل (ت 880 هـ) مصنف و مدقق


{ وَٱذْكُرْ فِي ٱلْكِتَابِ مُوسَىٰ إِنَّهُ كَانَ مُخْلِصاً وَكَانَ رَسُولاً نَّبِيّاً } * { وَنَادَيْنَاهُ مِن جَانِبِ ٱلطُّورِ ٱلأَيْمَنِ وَقَرَّبْنَاهُ نَجِيّاً } * { وَوَهَبْنَا لَهُ مِن رَّحْمَتِنَآ أَخَاهُ هَارُونَ نَبِيّاً } * { وَٱذْكُرْ فِي ٱلْكِتَابِ إِسْمَاعِيلَ إِنَّهُ كَانَ صَادِقَ ٱلْوَعْدِ وَكَانَ رَسُولاً نَّبِيّاً } * { وَكَانَ يَأْمُرُ أَهْلَهُ بِٱلصَّـلاَةِ وَٱلزَّكَـاةِ وَكَانَ عِندَ رَبِّهِ مَرْضِيّاً } * { وَٱذْكُرْ فِي ٱلْكِتَابِ إِدْرِيسَ إِنَّهُ كَانَ صِدِّيقاً نَّبِيَّاً } * { وَرَفَعْنَاهُ مَكَاناً عَلِيّاً }

قوله تعالى: { وَٱذْكُرْ فِي ٱلْكِتَٰبِ مُوسَىٰ } قرأ أهلُ الكوفة مخلصاً، بفتح اللام، أي: مختاراً اختاره الله تعالى، واصطفاه.

وقيل: أخلصه الله من الدَّنس.

والباقون بالكسر، ومعناه: أخلص التَّوحيد لله والعبادة، ومتى ورد القرآنُ بقراءتين، فكلٌّ منهما ثابتٌ مقطوعٌ به، فجعل الله تعالى من صفة موسى - صلوات الله عليه - كلا الأمرين.

ثم قال عزَّ وجلَّ: { وَكَانَ رَسُولاً نَّبِيّاً } وهذان وصفان مختلفان، لكنَّ المعتزلة زعمُوا كونهما متلازمين؛ فكلُّ رسول نبيٌّ، وكلُّ نبيٍّ رسولٌ، ومن الناس من أنكر ذلك، ويأتي الكلامُ عليه - إن شاء الله تعالى - في سورة الحج عند قوله تعالىوَمَآ أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رَّسُولٍ وَلاَ نَبِيٍّ } [الحج: 52] ثم قال:{ وَنَادَيْنَاهُ مِن جَانِبِ ٱلطُّورِ } يعني: يمين موسى، والظاهر أنَّ الأيمن صفة للجانب؛ بدليل أنه تبعه في قوله تعالى:وَوَاعَدْنَاكُمْ جَانِبَ ٱلطُّورِ ٱلأَيْمَنَ } [طه: 80] وقيل: إنه صفة للطُّور، إذ اشتقاقهُ من اليُمْن والبركة، والطُّور: جبلٌ بين مصر ومدين، ويقالُ: إنَّ اسمه الزُّبير، وذلك حين أقبل من مدين، ورأى النَّار، فنودييَٰمُوسَىٰ إِنِّيۤ أَنَا ٱللَّهُ رَبُّ ٱلْعَالَمِينَ } [القصص: 30]

قوله تعالى: { وَقَرَّبْنَاهُ نَجِيّاً } ، أي: مناجياً، والنجيُّ: المناجي؛ كما يقالُ: جليسٌ ونديمٌ، و " نجيًّا ": حالٌ من مفعول " قرَّبناهُ " وأصله " نجيواً " لأنه من نجل يَنْجو

قال ابنُ عبَّاس - رضي الله عنه - معناهُ: قرَّبه وكلَّمه.

وقيل: أنجيناه من أعدائه، ومعنى التقريب: إسماعه كلامهُ.

وقيل: رفعه على الحُجُب؛ حتَّى سمع صرير القلم؛ حيث تكتبُ التوراةُ في الألواح، وهو قولُ أبي العالية.

قال القاضي: المرادُ بالقرب: أنَّه رفع قدره، وشرَّفه بالمُنَاجاة؛ لأنَّ استعمال القُرْب في الله، قد صار في التعارف لا يرادُ به إلا المنزلةُ؛ كما يقالُ في العبادة: تقرُّب، وفي الملائكة - عليهم السلام -: إنَّهم مقرَّبُون.

قوله تعالى: { وَوَهَبْنَا لَهُ مِن رَّحْمَتِنَآ }: في " مِنْ " هذه وجهان:

أحدهما: أنها تعليليةٌ، أي: من أجل رحمتنا، و " أخَاهُ " على هذا مفعولٌ به، و " هَارُون " بدلٌ، أو عطف بيانٍ، أو منصوبٌ بإضمار أعني، و " نبيًّا " حالٌ.

والثاني: أنها تبعيضيةٌ، أي: بعض رحمتنا، قال الزمخشريُّ: " وأخاه " على هذا بدلٌ، و " هَارُون " عطف بيان. قال أبو حيان: " الظاهرُ أنَّ " أخَاهُ " مفعولُ " وهَبْنَا " ولا ترادفُ " مِنْ " بعضاً، فتبدل " أخاه " منها ".

فصل في نبوة هارون

قال ابن عبَّاس رضي الله عنه: كان هارونُ أكبر من موسى - صلوات الله عليه - وإنما وهب الله تعالى له نُبُوَّته، لا شخصه وأخُوَّته، وذلك إجابة لدعائه في قوله:

السابقالتالي
2 3