قوله تعالى: { وَٱذْكُرْ فِي ٱلْكِتَٰبِ مُوسَىٰ } قرأ أهلُ الكوفة مخلصاً، بفتح اللام، أي: مختاراً اختاره الله تعالى، واصطفاه. وقيل: أخلصه الله من الدَّنس. والباقون بالكسر، ومعناه: أخلص التَّوحيد لله والعبادة، ومتى ورد القرآنُ بقراءتين، فكلٌّ منهما ثابتٌ مقطوعٌ به، فجعل الله تعالى من صفة موسى - صلوات الله عليه - كلا الأمرين. ثم قال عزَّ وجلَّ: { وَكَانَ رَسُولاً نَّبِيّاً } وهذان وصفان مختلفان، لكنَّ المعتزلة زعمُوا كونهما متلازمين؛ فكلُّ رسول نبيٌّ، وكلُّ نبيٍّ رسولٌ، ومن الناس من أنكر ذلك، ويأتي الكلامُ عليه - إن شاء الله تعالى - في سورة الحج عند قوله تعالى{ وَمَآ أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رَّسُولٍ وَلاَ نَبِيٍّ } [الحج: 52] ثم قال:{ وَنَادَيْنَاهُ مِن جَانِبِ ٱلطُّورِ } يعني: يمين موسى، والظاهر أنَّ الأيمن صفة للجانب؛ بدليل أنه تبعه في قوله تعالى:{ وَوَاعَدْنَاكُمْ جَانِبَ ٱلطُّورِ ٱلأَيْمَنَ } [طه: 80] وقيل: إنه صفة للطُّور، إذ اشتقاقهُ من اليُمْن والبركة، والطُّور: جبلٌ بين مصر ومدين، ويقالُ: إنَّ اسمه الزُّبير، وذلك حين أقبل من مدين، ورأى النَّار، فنودي{ يَٰمُوسَىٰ إِنِّيۤ أَنَا ٱللَّهُ رَبُّ ٱلْعَالَمِينَ } [القصص: 30] قوله تعالى: { وَقَرَّبْنَاهُ نَجِيّاً } ، أي: مناجياً، والنجيُّ: المناجي؛ كما يقالُ: جليسٌ ونديمٌ، و " نجيًّا ": حالٌ من مفعول " قرَّبناهُ " وأصله " نجيواً " لأنه من نجل يَنْجو قال ابنُ عبَّاس - رضي الله عنه - معناهُ: قرَّبه وكلَّمه. وقيل: أنجيناه من أعدائه، ومعنى التقريب: إسماعه كلامهُ. وقيل: رفعه على الحُجُب؛ حتَّى سمع صرير القلم؛ حيث تكتبُ التوراةُ في الألواح، وهو قولُ أبي العالية. قال القاضي: المرادُ بالقرب: أنَّه رفع قدره، وشرَّفه بالمُنَاجاة؛ لأنَّ استعمال القُرْب في الله، قد صار في التعارف لا يرادُ به إلا المنزلةُ؛ كما يقالُ في العبادة: تقرُّب، وفي الملائكة - عليهم السلام -: إنَّهم مقرَّبُون. قوله تعالى: { وَوَهَبْنَا لَهُ مِن رَّحْمَتِنَآ }: في " مِنْ " هذه وجهان: أحدهما: أنها تعليليةٌ، أي: من أجل رحمتنا، و " أخَاهُ " على هذا مفعولٌ به، و " هَارُون " بدلٌ، أو عطف بيانٍ، أو منصوبٌ بإضمار أعني، و " نبيًّا " حالٌ. والثاني: أنها تبعيضيةٌ، أي: بعض رحمتنا، قال الزمخشريُّ: " وأخاه " على هذا بدلٌ، و " هَارُون " عطف بيان. قال أبو حيان: " الظاهرُ أنَّ " أخَاهُ " مفعولُ " وهَبْنَا " ولا ترادفُ " مِنْ " بعضاً، فتبدل " أخاه " منها ". فصل في نبوة هارون قال ابن عبَّاس رضي الله عنه: كان هارونُ أكبر من موسى - صلوات الله عليه - وإنما وهب الله تعالى له نُبُوَّته، لا شخصه وأخُوَّته، وذلك إجابة لدعائه في قوله: