الرئيسية - التفاسير


* تفسير اللباب في علوم الكتاب/ ابن عادل (ت 880 هـ) مصنف و مدقق


{ ذِكْرُ رَحْمَتِ رَبِّكَ عَبْدَهُ زَكَرِيَّآ } * { إِذْ نَادَىٰ رَبَّهُ نِدَآءً خَفِيّاً } * { قَالَ رَبِّ إِنَّي وَهَنَ ٱلْعَظْمُ مِنِّي وَٱشْتَعَلَ ٱلرَّأْسُ شَيْباً وَلَمْ أَكُنْ بِدُعَآئِكَ رَبِّ شَقِيّاً } * { وَإِنِّي خِفْتُ ٱلْمَوَالِيَ مِن وَرَآءِى وَكَانَتِ ٱمْرَأَتِي عَاقِراً فَهَبْ لِي مِن لَّدُنْكَ وَلِيّاً } * { يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ وَٱجْعَلْهُ رَبِّ رَضِيّاً }

قوله: { ذِكْرُ }: فيه ثلاثة أوجه:

الأول: أنه مبتدأ محذوف الخبر، تقديره: فيما يتلى عليكم ذكر.

الثاني: أنه خبر محذوف المبتدأ، تقديره: المتلوُّ ذكرُ، أو هذا ذكر.

الثالث: أنه خبر الحروف المقطَّعة، وهو قول يحيى بن زياد، قال أبو البقاء " وفيه بعدٌ؛ لأنَّ الخبر هو المبتدأ في المعنى، وليس في الحروف المقطَّعة ذكرُ الرحمة، ولا في ذكر الرحمة معناها ".

و " ذِكْرُ " مصدرٌ مضافٌ؛ قيل: إلى مفعوله، وهو الرحمة في نفسها مصدرٌ أيضاً مضافٌ إلى فاعله، و " عَبدَهُ " مفعولٌ به، والناصبُ له نفسُ الرحمةِ، ويكون فاعلُ الذِّكرِ غير مذكورٍ لفظاً، والتقدير: أنْ ذكر الله ورحمته عبدهُ، وقيل: بل " ذِكْرُ " مضافٌ إلى فاعله على الاتِّساع، ويكون " عبدهُ " منصوباً بنفس الذِّكر، والتقدير: أن ذكرت الرحمة عبدهُ، فجعل الرحمة ذاكرةً له مجازاً.

و " زكَرِيَّا " بدلٌ، أو عطفُ بيانٍ، أو منصوبٌ بإضمار " أعْنِي ".

وقرأ يحيى بن يعمر - ونقلها الزمخشريُّ عن الحسن - " ذَكَّرَ " فعلاً ماضياً مشدداً، و " رحمة " بالنصب على أنها مفعولٌ ثانٍ، قدمت على الأول، وهو " عَبْدَهُ " والفاعلُ: إما ضمير القرآن، أو ضمير الباري تعالى، والتقدير: أن ذكَّر القرآنُ المتلُوُّ - أو ذكَّر الله - عبده رحمتهُ، أي: جعل العبد يذكرُ رحمته، ويجوز على المجازِ المتقدِّم أن " رحمةَ ربِّك " هو المفعول الأول، والمعنى: أنَّ الله جعل الرحمة ذاكرةً للعبد، وقيل: الأصلُ: ذكَّر برحمةِ، فلمَّا انتزع الجارُّ نصب مجروره، ولا حاجة إليه.

وقرأ الكلبيُّ " ذكر " بالتخفيف ماضياً " رَحْمَةَ " بالنصب على المفعول به، " عَبْدُهُ " بالرفع فاعلاً بالفعل قبله، " زَكريَّا " بالرفع على البيان، أو البدل، أو على إضمار مبتدأ، وهو نظيرُ إضمار الناصب في القراءة الأولى.

وقرأ يحيى بن يعمر - فيما نقله عنه الدَّاني - " ذَكِّرْ " فعل أمرٍ، " رَحْمَةَ " و " عَبْدهُ " بالنصب فيهما على أنهما مفعولان، وهما على ما تقدَّم من كون كلِّ واحدٍ، يجوز أن يكون المفعول الأول، أو الثاني، بالتأويلِ المتقدِّم في جعل الرحمة ذاكرةً مجازاً.

فصل في تأويل هذه الحروف المقطعة

قال ابنُ عباسٍ: هذه الحروف اسم من أسماء الله تعالى، وقال قتادةُ: اسمٌ من أسماء القرآن.

وقيل: اسمٌ للسُّورة.

وقيل: هو قسمٌ أقسم الله به ويروى عن سعيد بن جبيرٍ، عن ابن عباس في قوله { كۤهيعۤصۤ } قال: الكافُ من كريم وكبير، والماء من هاد، والياء من رحيم والعين من عليهم، وعظيم، والصاد من صادق.

وعن ابن عبَّاس أيضاً أنَّه حمل الياء على الكريم مرَّة، وعلى الحكيم أخرى.

السابقالتالي
2 3 4 5 6 7 8