الرئيسية - التفاسير


* تفسير اللباب في علوم الكتاب/ ابن عادل (ت 880 هـ) مصنف و مدقق


{ ذٰلِكَ عِيسَى ٱبْنُ مَرْيَمَ قَوْلَ ٱلْحَقِّ ٱلَّذِي فِيهِ يَمْتُرُونَ } * { مَا كَانَ للَّهِ أَن يَتَّخِذَ مِن وَلَدٍ سُبْحَانَهُ إِذَا قَضَىٰ أَمْراً فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُن فَيَكُونُ } * { وَإِنَّ ٱللَّهَ رَبِّي وَرَبُّكُمْ فَٱعْبُدُوهُ هَـٰذَا صِرَاطٌ مُّسْتَقِيمٌ }

قوله تعالى: { ذَٰلِكَ عِيسَى ٱبْنُ مَرْيَمَ قَوْلَ ٱلْحَقِّ }: يجوز أن يكون " عِيسَى " خبراً لـ " ذلك " ويجوز أن يكون بدلاً، أو عطف بيان، و " قَوْلُ الحقِّ " خبره، ويجوز أن يكون " قَوْلُ الحقِّ " خبر مبتدأ مضمرْ، أي: هو قولُ، و " ابْنُ مَرْيَمَ " يجوز أن يكُونَ نعتاً، أو بدلاً، أو بياناً، أو خبراً ثابتاً.

وقرأ عاصمٌ، وحمزةُ، وابنُ عامر " قَوْلَ الحقِّ " بالنَّصب، والباقون بالرفع، فالرفع على ما تقدَّم، قال الزمخشري - رحمه الله -: " وارتفاعه على أنَّه خبرٌ، بعد خبرٍ، أو بدلٌ ". قال أبو حيَّان: " وهذا الذي ذكرهُ لا يكُونُ إلاَّ على المجازِ في قولِ: وهو أن يراد به كلمةُ اللهِ، لأنَّ اللفظ لا يكُونُ الذَّاتَ ".

والنَّصْبُ: يجوزُ فيه أن يكون مصدراً مؤكِّداً لمضمُون الجملة؛ كقولك: " هُوَ عَبْدُ الله الحقَّ، لا الباطِلَ " أي: أقولُ قول الحقِّ، فالحقُّ الصِّدقُ، وهو من إضافةِ الموصوف إلى صفته، أي: القول الحقَّ؛ كقوله:وَعْدَ ٱلصِّدْقِ } [الأحقاف: 16] أي: الوعد الصِّدق، ويجوز أن يكون منصوباً على المَدْح، إن أريد بالحقِّ الباري تعالى، و " الَّذِي " نعتٌ للقول، إن أريد به عيسى، وسُمِّي قولاً كما سُمِّي كلمةً، لأنه عنها نشأ.

وذلك أنَّ الحق هو اسمُ الله تعالى، فلا فرق بين أن نقول: عيسى هو كلمة الله، وبين أن نقول: عيسى قولُ الحقِّ.

وقيل: هو منصوبٌ بإضمار " أعْنِي " وقيل: هو منصوبٌ على الحالِ من " عيسَى " ويؤيِّدُ هذا ما نُقِلَ عن الكسائيَّ في توجيهِ الرفعِ: أنه صفةٌ لعيسى.

وقرأ الأعمشُ " قالُ " برفع اللاَّم، وهي قراءةُ ابن مسعودٍ أيضاً، وقرأ الحسن " قُولُ " بضم القاف، ورفع اللام وكذلك في الأنعام { قَوْلُهُ ٱلْحَقُّ } [الأنعام: 73]، وهي مصادر لـِ " قَالَ " يقالُ قَالَ يَقُولُ قَوْلاً وقُولاً؛ كالرَّهْبِ، والرَّهَب، والرُّهْب، وقال أبو البقاء: " والقَالُ: اسمٌ للمصدر؛ مثلُ: القِيلِ، وحُكِيَ " قُولُ الحقِّ " بضمّ القاف؛ مثل " الرُّوحِ " وهي لغةٌ فيه ". قال شهاب الدين: الظاهرُ أنَّ هذه مصادرُ كلُّها، ليس بعضها اسماً للمصدر، كما تقدَّم تقريره في الرَّهْبِ والرَّهَبِ والرُّهْبِ.

وقرأ طلحةُ والأعمشُ " قالَ الحقُّ " جعل " قَالَ " فعلاً ماضياً، و " الحَقُّ " فاعلٌ، والمرادُ به الباري تعالى، أي: قَالَ اللهُ الحقُّ: إنَّ عيسى هو كلمةُ الله، ويكونُ قوله " الَّذِي فيهِ يَمْتَرُونَ " خبراً لمبتدأ محذوف.

وقرأ عليُّ بنُ أبي طالب - كرم الله وجهه - والسلميُّ، وداودُ بنُ أبي هندٍ، ونافعٌ، والكسائيُّ في رواية عنهما [ " تَمْتَرُونَ " بتاء] الخطاب، والباقون بياءِ الغيبة، وتَمْتَرُون: تَفْتَعِلُون: إمَّا من المريةِ، وهي الشَّكُّ، وإمَّا من المراء، وهو الجدالُ.

السابقالتالي
2 3 4 5