الرئيسية - التفاسير


* تفسير اللباب في علوم الكتاب/ ابن عادل (ت 880 هـ) مصنف و مدقق


{ وَمَا مَنَعَ ٱلنَّاسَ أَن يُؤْمِنُوۤاْ إِذْ جَآءَهُمُ ٱلْهُدَىٰ وَيَسْتَغْفِرُواْ رَبَّهُمْ إِلاَّ أَن تَأْتِيَهُمْ سُنَّةُ ٱلأَوَّلِينَ أَوْ يَأْتِيَهُمُ ٱلْعَذَابُ قُبُلاً } * { وَمَا نُرْسِلُ ٱلْمُرْسَلِينَ إِلاَّ مُبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ وَيُجَٰدِلُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ بِٱلْبَٰطِلِ لِيُدْحِضُواْ بِهِ ٱلْحَقَّ وَٱتَّخَذُوۤاْ ءَايَٰتِي وَمَآ أُنْذِرُواْ هُزُواً } * { وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّن ذُكِّرَ بِآيَٰتِ رَبِّهِ فَأَعْرَضَ عَنْهَا وَنَسِيَ مَا قَدَّمَتْ يَدَاهُ إِنَّا جَعَلْنَا عَلَىٰ قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَن يَفْقَهُوهُ وَفِي ءَاذَانِهِمْ وَقْراً وَإِن تَدْعُهُمْ إِلَىٰ ٱلْهُدَىٰ فَلَنْ يَهْتَدُوۤاْ إِذاً أَبَداً } * { وَرَبُّكَ ٱلْغَفُورُ ذُو ٱلرَّحْمَةِ لَوْ يُؤَاخِذُهُم بِمَا كَسَبُواْ لَعَجَّلَ لَهُمُ ٱلْعَذَابَ بَل لَّهُم مَّوْعِدٌ لَّن يَجِدُواْ مِن دُونِهِ مَوْئِلاً }

قوله: { وَمَا مَنَعَ ٱلنَّاسَ أَن يُؤْمِنُوۤاْ إِذْ جَآءَهُمُ ٱلْهُدَىٰ } الآية.

تقدم إعراب نظيرها في آخر السورة قبلها.

فإن قلت: قالت المعتزلةُ: الآية دالةٌ على أنَّه لم يوجد ما يمنع عن الإقدام على الإيمانِ، وذلك يدلُّ على فساد قول من يقول: إنه حصل المانعُ.

[فالجواب] بأن العلم بأنه لا يؤمنُ مضادٌّ لوجود الإيمان، وإذا كان ذلك العلم قائماً، كان المانعُ قائماً.

وأيضاً: قول الداعي إلى الكفر مانعٌ من حصول الإيمان.

وإذا ثبت هذا، ظهر أن المراد مقدار الموانع المحسوسة.

فصل في معنى الآية

المعنى: { وَمَا مَنَعَ ٱلنَّاسَ أَن يُؤْمِنُوۤاْ إِذْ جَآءَهُمُ ٱلْهُدَىٰ }: القرآن والإسلام والبيان من الله عزَّ وجلَّ.

وقيل: إنه الرسول صلى الله عليه وسلم.

قوله: { وَيَسْتَغْفِرُواْ رَبَّهُمْ } ويتوبوا.

قوله: { إِلاَّ أَن تَأْتِيَهُمْ سُنَّةُ ٱلأَوَّلِينَ } وهو عذاب الاستئصال وقيل: إلا طلب أن يأتيهم سنَّة الأولين من معاينة العذاب، كما قالوا:إِن كَانَ هَـٰذَا هُوَ ٱلْحَقَّ مِنْ عِندِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا حِجَارَةً مِّنَ ٱلسَّمَآءِ } [الأنفال: 32].

قوله: { أَوْ يَأْتِيَهُمُ ٱلْعَذَابُ قُبُلاً }.

قال ابن عباس: أي عياناً من المقابلة.

وقال مجاهد: فجأة.

قرأ حمزة، والكسائي، وعاصم، وأبو جعفر بضمِّ القاف والباء، جمع قبيل: أي أصناف العذاب نوعاً نوعاً، والباقون بكسر القاف، وفتح الباء، أي عياناً.

وروى الزمخشري: " قَبَلاً " بفتحتين، أي: [مستقبلاً، والمعنى:] أنهم لا يقدمون على الإيمان إلا عند نُزُول العذاب. واعلم أنَّهم لا يوقفون الإقدام على الإيمان على أحد هذين الشرطين؛ لأنَّ العاقل لا يرضى بحُصُول الأمرين إلا أنَّ حالهم بحال من وقف العمل على أحد هذين الشَّرطين.

ثم بيَّن تعالى أنه إنما أرسل الرُّسُل مبشِّرين ومُنْذرين بالعقاب على المعصية؛ لكي يؤمنوا طوعاً، ومع هذه الأحوال يوجد من الكُفَّار المجادلة بالباطل؛ لغرض دحض الحقِّ؛ وهذا يدُلُّ على أنَّ الأنبياء كانوا يجادِلُونهم، كما تقدَّم من أنَّ المجادلة إنَّما تحصُلُ من الجانبين، ومجادلتُهُمْ قولهم:أَبَعَثَ ٱللَّهُ بَشَراً رَّسُولاً } [الإسراء: 94]، وقولهم:لَوْلاَ نُزِّلَ هَـٰذَا ٱلْقُرْءَانُ عَلَىٰ رَجُلٍ مِّنَ ٱلْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ } [الزخرف: 31].

قوله: { ليُدْحِضُوا }: متعلِّقٌ بـ " يُجادِلُ " والإدْحاض: الإزلاقُ، يقال: أدحض قدمه، أي: أزلقها، وأزلَّها من موضعها. والحجَّة الداحضة الَّتي لا ثبات لها لزلزلة قدمها، والدَّحضُ: الطِّين؛ لأنه يُزلقُ فيه، قال: [الطويل]
3539- أبَا مُنْذِرٍ رُمْتَ الوَفَاءَ وَهِبْتَهُ   وَحِدْتَ كَمَا حَادَ البَعِيرُ عَنِ الدَّحْضِ
وقال آخر: [الطويل]
3540- [وَرَدْتُ وَنَجَّى اليَشْكُرِيّ حِذَارُهُ   وَحَادَ كَمَا حَادَ البَعيرُ عَنِ الدَّحْضِ]
و " مكانٌ دَحْضٌ " مِنْ هذا.

قوله: " وَمَا أُنْذِرُوا " يجوزُ في " مَا " هذه أَنْ تكون مصدريَّةً، وأَنْ تكون بمعنى " الَّذي " والعائد محذوف، وعلى التقديرين، فهي عطفٌ على " آياتي ".

و " هُزُواً " مفعولٌ ثانٍ أو حالٌ، وتقدَّم الخلافُ في " هُزُواً " في قوله { وَمَا أُنْذِرُوا هُزُواً } وفيه إضمار أي وما أنذروا به، وهو القرآن " هُزُواً " أي استهزاء.

السابقالتالي
2