الرئيسية - التفاسير


* تفسير اللباب في علوم الكتاب/ ابن عادل (ت 880 هـ) مصنف و مدقق


{ وَيُنْذِرَ ٱلَّذِينَ قَالُواْ ٱتَّخَذَ ٱللَّهُ وَلَداً } * { مَّا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ وَلاَ لآبَائِهِمْ كَبُرَتْ كَلِمَةً تَخْرُجُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ إِن يَقُولُونَ إِلاَّ كَذِباً }

اعلم أنَّ قوله: { وَيُنذِرَ ٱلَّذِينَ قَالُواْ ٱتَّخَذَ ٱللَّهُ وَلَداً } معطوف على قوله:لِّيُنْذِرَ بَأْساً شَدِيداً مِّن لَّدُنْهُ } [الكهف: 2]، والمعطوف يجب كونه مغايراً للمعطوف عليه، فالأول عام في حقِّ كلِّ من استحقَّ العذاب، والثاني خاصٌّ بمن قال: إنَّ الله اتَّخذ ولداً، والقرآن جارٍ بأنه إذا ذكر الله قضية كلية عطف عليها بعض جزئياتها؛ تنبيهاً على كون ذلك البعض المعطوف أعظم جزئيات ذلك الكلي [أيضاً]، كقوله تعالى:وَمَلاۤئِكَتِهِ وَرُسُلِهِ وَجِبْرِيلَ وَمِيكَٰلَ } [البقرة: 98] فكذا ها هنا يدل على أن أعظم أنواعِ الكفر والمعصيةِ إثباتُ الولد لله تعالى.

فصل

واعلم أنَّ المثبتين لله تعالى الولد ثلاث طوائف:

الأولى: كفار العرب الذين قالوا: الملائكة بناتُ الله.

الثانية: النصارى قالوا: المسيحُ ابن الله.

الثالثة: اليهود، [حيث] قالوا: العزير ابنُ الله.

واعلم أنَّ إثبات الولد لله كفرٌ عظيمٌ، وتقدَّم الكلام على ذلك في سورة الأنعام في قوله:وَخَرَقُواْ لَهُ بَنِينَ وَبَنَاتٍ بِغَيْرِ عِلْمٍ } [الأنعام: 100] وسيأتي تمامه - إن شاء الله تعالى - في سورة مريم؛ لأنَّه تعالى أنكر على القائلين بإثبات الولد من وجهين:

الأول: قوله: { مَّا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ وَلاَ لآبَائِهِمْ }.

فإن قيل: اتخاذ الله تعالى الولد محالٌ في نفسه، فكيف قيل:مَّا لَهُم بِذَٰلِكَ مِنْ عِلْمٍ } [الزخرف: 20]؟.

فالجوابُ أنَّ انتفاء العلم بالشيء قد يكون للجهل بالطريق الموصل إليه؛ وقد يكون لأنَّه في نفسه محالٌ، لا يمكن تعلق العلم به، ونظيره قوله:وَمَن يَدْعُ مَعَ ٱللَّهِ إِلَـهَا آخَرَ لاَ بُرْهَانَ لَهُ بِهِ } [المؤمنون: 117].

فصل

تمسَّك نفاة القياس بهذه الآية، فقالوا: دلَّت هذه الآية على أن القول في الدِّين بغير علمٍ باطل، والقول بالقياس الظنيِّ قول في الدِّين بغير علمٍ، فيكون باطلاً.

وجوابه تقدم عند قوله:وَلاَ تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ } [الإسراء: 36].

وقوله: { وَلاَ لآبَائِهِمْ } أي أحداً من أسلافهم، وهذه مبالغة في كون تلك المقالة فاسدة باطلاة جدًّا.

قوله: { مَّا لَهُمْ بِهِ }: أي: بالولد، أو باتخاذه، أو بالقول المدلول عليه بـ " اتَّخَذَ " وبـ " قَالُوا " ، وبالله.

وهذه الجملة المنفية فيها ثلاثة أوجه:

أظهرها: أناه مستأنفة، سيقت للإخبار بذلك.

والثاني: أنها صفة للولد، قاله المهدويُّ، وردَّه ابن عطية: بأنه لا يصفه بذلك إلاَّ القائلون، وهم لم يقصدوا وصفه بذلك.

الثالث: أنها حالٌ من فاعل " قالوا " ، أي: قالوه جاهلين.

و " مِنْ عِلم " يجوز أن يكون فاعلاً، وأن يكون مبتدأ، والجارُّ هو الرافع لاعتماده أو الخبر، و " مِنْ " مزيدة على كلا القولين.

قوله: " كَبُرتْ كلمة " في فاعل " كَبُرتْ " وجهان:

أحدهما: أنه مضمرٌ عائد على مقالتهم المفهومة من قوله: { قَالُواْ ٱتَّخَذَ ٱللَّهُ } أي: كبر مقالهم، و " كلمة " نصب على التمييز، ومعنى الكلام على التعجُّب، أي: ما أكبرها كلمة،و " تَخرُج " الجملة صفة لـ " كَلمةٌ " ويؤذنُ باستعظامها لأنَّ بعض ما يهجس في الخاطر لا يجسر الإنسان على إظهاره باللفظ.

السابقالتالي
2