الرئيسية - التفاسير


* تفسير اللباب في علوم الكتاب/ ابن عادل (ت 880 هـ) مصنف و مدقق


{ وَٱضْرِبْ لَهُم مَّثَلَ ٱلْحَيَاةِ ٱلدُّنْيَا كَمَآءٍ أَنْزَلْنَاهُ مِنَ ٱلسَّمَاءِ فَٱخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ ٱلأَرْضِ فَأَصْبَحَ هَشِيماً تَذْرُوهُ ٱلرِّياحُ وَكَانَ ٱللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ مُّقْتَدِراً } * { ٱلْمَالُ وَٱلْبَنُونَ زِينَةُ ٱلْحَيَاةِ ٱلدُّنْيَا وَٱلْبَاقِيَاتُ ٱلصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِندَ رَبِّكَ ثَوَاباً وَخَيْرٌ أَمَلاً } * { وَيَوْمَ نُسَيِّرُ ٱلْجِبَالَ وَتَرَى ٱلأَرْضَ بَارِزَةً وَحَشَرْنَاهُمْ فَلَمْ نُغَادِرْ مِنْهُمْ أَحَداً } * { وَعُرِضُواْ عَلَىٰ رَبِّكَ صَفَّاً لَّقَدْ جِئْتُمُونَا كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ بَلْ زَعَمْتُمْ أَلَّن نَّجْعَلَ لَكُمْ مَّوْعِداً } * { وَوُضِعَ ٱلْكِتَابُ فَتَرَى ٱلْمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا فِيهِ وَيَقُولُونَ يٰوَيْلَتَنَا مَالِ هَـٰذَا ٱلْكِتَابِ لاَ يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلاَ كَبِيرَةً إِلاَّ أَحْصَاهَا وَوَجَدُواْ مَا عَمِلُواْ حَاضِراً وَلاَ يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَداً }

قوله تعالى: { وَٱضْرِبْ لَهُم مَّثَلَ ٱلْحَيَٰوةِ ٱلدُّنْيَا } الآية.

أي: واضرب، يا محمد، لهؤلاء الذين افتخروا بأموالهم، وأنصارهم على فقراء المسلمين { مَّثَلَ ٱلْحَيَٰوةِ ٱلدُّنْيَا } ثم ذكر المثل فقال: { كَمَآءٍ أَنزَلْنَاهُ مِنَ ٱلسَّمَاءِ فَٱخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ ٱلأَرْضِ }.

قوله: { كَمَآءٍ }: فيه ثلاثة أوجه:

أحدها: أن تكون خبر مبتدأ محذوف، فقدَّره ابن عطيَّة هي، أي: الحياة الدنيا.

والثاني: أنه متعلق بمعنى المصدر، أي: ضرباً كماء، قاله الحوفيُّ. وهذا بناء منهما على أن " ضرب " هذه متعدية لواحدٍ فقط.

والثالث: أنه في موضع المفعول الثاني لـ " اضْرِبْ " لأنها بمعنى " صَيِّرْ " وقد تقدم.

قال أبو حيان بعدما نقل قولي ابن عطيَّة والحوفيِّ: " وأقول: إنَّ " كماءٍ " في موضع المفعول الثاني لقوله " واضْرِبْ " ، أي: وصيِّر لهم مثل الحياة، أي: صفتها شبه ماء ". قال شهاب الدين: وهذا قد سبقه إليه أبو البقاء.

و " أنْزَلنَاهُ " صفة لـ " مَاءٍ ".

قوله: " فاخْتلَطَ به " يجوز في هذه الباء وجهان:

أحدهما: أن تكون سببية.

الثاني: أن تكون متعدِّية، قال الزمخشري: " فالتفَّ بسببه، وتكاثف حتى خالط بعضه بعضاً، وقيل: تجمع الماء في النبات؛ حتى روي ورَفَّ رفيفاً، وكان حق اللفظ على هذا التفسير: فاختلط بنباتِ الأرض، ووجه صحته: أنَّ كلَّ مختلطين موصوف كل واحدٍ منهما بصفةِ الآخر ".

قوله: { فَأَصْبَحَ هَشِيماً } " أصْبَحَ " يجوز أن تكون على بابها؛ فإنَّ أكثر ما يطرقُ من الآفاتِ صباحاً؛ كقوله:فَأَصْبَحَ يُقَلِّبُ كَفَّيْهِ } [الكهف: 42] ويجوز أن تكون بمعنى " صار " من غير تقييدٍ بصباحٍ؛ كقوله: [المنسرح]
3533- أصْبَحْتُ لا أحْمِلُ السِّلاحَ ولاَ   أمْلِكُ رَأسَ البعيرِ إنْ نَفرَا
والهشيمُ: واحده هشيمة، وهو اليابس، وقال الزجاج وابن قتيبة: كل ما كان رطباً، فيَبِسَ، ومنهكَهَشِيمِ ٱلْمُحْتَظِرِ } [القمر: 31] ومنه: هشمتُ الفتَّ والهشيم: المتفتِّت المتكسِّر، ومنه هشمت أنفه، وهشَمَ الثَّريدَ: إذا فتَّه.

قال: [الكامل]
3534- عَمْرُو الَّذي هَشمَ الثَّريدَ لقَومهِ   ورِجَالُ مَكَّةَ مُسنتُونَ عِجَاف
قوله: " تَذرُوهُ " صفة لـ " هَشِيماً " والذَّرْوُ: التفريق، وقيل: الرفع.

والعامة " تَذْروهُ " بالواو، وقرأ عبد الله " تَذْريه " من الذَّري، ففي لامه لغتان: الواو والياء، وقرأ ابن عبَّاس " تُذْريهِ " بضمِّ التاء من الإذراءِ، وهذه تحتمل أن تكون من الذَّرْوِ، وأن تكون من الذَّري، والعامة على " الرَّياحِ " جمعاً، وزيد بن عليٍّ، و الحسنُ، والنخعيُّ في آخرين " الرِّيحُ " بالإفراد.

فصل في معنى ألفاظ الآية

و " مَثَل " معنى المثل، قال ابن عباسٍ: يعني بالماءِ المطر، نزل من السماء { فَٱخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ ٱلأَرْضِ } خرج من كل لون وزهرة، " فأصْبحَ " عن قريب " هَشِيماً " يابساً.

السابقالتالي
2 3 4 5 6