الرئيسية - التفاسير


* تفسير اللباب في علوم الكتاب/ ابن عادل (ت 880 هـ) مصنف و مدقق


{ وَٱضْرِبْ لهُمْ مَّثَلاً رَّجُلَيْنِ جَعَلْنَا لأَحَدِهِمَا جَنَّتَيْنِ مِنْ أَعْنَابٍ وَحَفَفْنَاهُمَا بِنَخْلٍ وَجَعَلْنَا بَيْنَهُمَا زَرْعاً } * { كِلْتَا ٱلْجَنَّتَيْنِ آتَتْ أُكُلَهَا وَلَمْ تَظْلِم مِّنْهُ شَيْئاً وَفَجَّرْنَا خِلالَهُمَا نَهَراً } * { وَكَانَ لَهُ ثَمَرٌ فَقَالَ لِصَاحِبِهِ وَهُوَ يُحَاوِرُهُ أَنَا أَكْثَرُ مِنكَ مَالاً وَأَعَزُّ نَفَراً } * { وَدَخَلَ جَنَّتَهُ وَهُوَ ظَالِمٌ لِّنَفْسِهِ قَالَ مَآ أَظُنُّ أَن تَبِيدَ هَـٰذِهِ أَبَداً } * { وَمَآ أَظُنُّ ٱلسَّاعَةَ قَائِمَةً وَلَئِن رُّدِدتُّ إِلَىٰ رَبِّي لأَجِدَنَّ خَيْراً مِّنْهَا مُنْقَلَباً } * { قَالَ لَهُ صَاحِبُهُ وَهُوَ يُحَاوِرُهُ أَكَفَرْتَ بِٱلَّذِي خَلَقَكَ مِن تُرَابٍ ثُمَّ مِن نُّطْفَةٍ ثُمَّ سَوَّاكَ رَجُلاً } * { لَّٰكِنَّاْ هُوَ ٱللَّهُ رَبِّي وَلاَ أُشْرِكُ بِرَبِّي أَحَداً } * { وَلَوْلاۤ إِذْ دَخَلْتَ جَنَّتَكَ قُلْتَ مَا شَآءَ ٱللَّهُ لاَ قُوَّةَ إِلاَّ بِٱللَّهِ إِن تَرَنِ أَنَاْ أَقَلَّ مِنكَ مَالاً وَوَلَداً } * { فعسَىٰ رَبِّي أَن يُؤْتِيَنِ خَيْراً مِّن جَنَّتِكَ وَيُرْسِلَ عَلَيْهَا حُسْبَاناً مِّنَ ٱلسَّمَآءِ فَتُصْبِحَ صَعِيداً زَلَقاً } * { أَوْ يُصْبِحَ مَآؤُهَا غَوْراً فَلَن تَسْتَطِيعَ لَهُ طَلَباً } * { وَأُحِيطَ بِثَمَرِهِ فَأَصْبَحَ يُقَلِّبُ كَفَّيْهِ عَلَى مَآ أَنْفَقَ فِيهَا وَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَىٰ عُرُوشِهَا وَيَقُولُ يٰلَيْتَنِي لَمْ أُشْرِكْ بِرَبِّي أَحَداً } * { وَلَمْ تَكُن لَّهُ فِئَةٌ يَنصُرُونَهُ مِن دُونِ ٱللَّهِ وَمَا كَانَ مُنْتَصِراً } * { هُنَالِكَ ٱلْوَلاَيَةُ لِلَّهِ ٱلْحَقِّ هُوَ خَيْرٌ ثَوَاباً وَخَيْرٌ عُقْباً }

قوله تعالى: { وَٱضْرِبْ لَهُم مَّثَلاً رَّجُلَيْنِ } الآية.

وجه النَّظم أن الكفار، لمَّا افتخرُوا بأموالهم وأنصارهم على فقراء المسلمين، بيَّن الله تعالى أنَّ ذلك ممَّا لا يوجب الافتخار، لاحتمال أن يصير الغنيُّ فقيراً، والفقير غنيًّا، وأما الذي تجبُ المفاخرةُ به فطاعة الله وعبادته، وهي حاصلةٌ لفقراءِ المسلمين، وبيَّن ذلك بضرب هذا المثل؛ فقال: { وَٱضْرِبْ لَهُمْ مَّثَلاً رَّجُلَيْنِ } أي: مثل حال الكافرين والمؤمنين كحال رجلين، وكانا أخوين في بني إسرائيل: أحدهما: كافرٌ، واسمه [براطوس]، والآخر: مؤمنٌ، اسمه يهوذا، قاله ابن عباس.

وقال مقاتل: اسم المؤمن تمليخا، واسم الكافر قطروس.

وقيل: قطفر، وهما المذكوران في سورة " الصافات " في قوله تعالى:إِنِّي كَانَ لِي قَرِينٌ يَقُولُ أَءِنَّكَ لَمِنَ ٱلْمُصَدِّقِينَ } [الصافات: 51، 52] على ما رواه عبد الله بن المبارك عن معمَّرٍ عن عطاءٍ الخراسانيِّ، قال: كانا رجلين شريكين، لهما ثمانية آلافِ دينارٍ.

وقيل: كانا أخوين، وورثا من أبيهما ثمانية آلاف دينارٍ، فأخذ كلُّ واحدٍ منهما أربعة آلاف دينارٍ، فاشترى الكافر أرضاً بألفٍ، فقال المؤمن: اللَّهم، إنَّ أخي اشترى أرضاً بألف، وإنِّي أشتري منك أرضاً بألف في الجنَّة، فتصدَّق به.

ثم [بنى] أخوه داراً بألف، فقال المؤمن: اللَّهم، إني أشتري منك داراً بألف في الجنَّة، فتصدق به.

ثم تزوج أخوه امرأة بألف، فقال المؤمن: اللَّهم، إني جعلت ألفاً صداقاً للحور العين، وتصدَّق به.

ثم اشترى أخوه خدماً ومتاعاً بألف دينار، فقال المؤمن: اللهم، إنِّي اشتريتُ منك الولدان بألف، فتصدَّق به، ثم أحاجه، أي: أصابه حاجةٌ، فجلس لأخيه على طريقه، فمرَّ به في خدمه وحشمه، فتعرَّض له، فقال: فلانٌ؟! قال: نعم، قال: ما شأنك؟ قال: أصابتني حاجةٌ بعدك، فأتيتك لتصيبني بخير، قال: ما فعل مالك، وقد اقتسمنا المال [سويَّة]، فأخذت شطره؟ فقصَّ عليه قصَّتهُ، قال: إنَّك لمن المصدِّقين، اذهب، فلا أعطيك شيئاً.

وقيل: نزلتْ في أخوين من أهل مكَّة من بني مخزوم، أحدهما: مؤمنٌ، وهو أبو سلمة عبد الله بن عبد الأسد بن عبد ياليل، وكان زوج أمِّ سلمة قبل النبي صلى الله عليه وسلم والآخر كافرٌ، وهو الأسود بن عبد الأسد بن عبد ياليل.

قوله: { رَّجُلَيْنِ }: قد تقدم أنَّ " ضرب " مع المثل، يجوز أن يتعدى لاثنين في سورة البقرة، وقال أبو البقاء: التقدير: مثلاً مثل رجلين، و " جَعلْنَا " تفسير لـ " مَثَل " فلا موضع له، ويجوز أن يكون موضعه نصباً نعتاً لـ " رَجُليْنِ " كقولك: مررتُ برجلين، جعل لأحدهما جنَّةٌ.

قوله: { وَحَفَفْنَاهُمَا بِنَخْلٍ } يقال: حفَّ بالشيء: طاف به من جميع جوانبه، قال النابغة: [البسيط]
3523- يَحُفُّهُ جَانِبَا نِيقٍ وتُتْبِعُهُ   مِثلُ الزُّجاجةِ لمْ تُكْحَلْ من الرَّمدِ

السابقالتالي
2 3 4 5 6 7 8 9 10  مزيد