الرئيسية - التفاسير


* تفسير اللباب في علوم الكتاب/ ابن عادل (ت 880 هـ) مصنف و مدقق


{ إِنَّ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ إِنَّا لاَ نُضِيعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلاً } * { أُوْلَـٰئِكَ لَهُمْ جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهِمُ ٱلأَنْهَارُ يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِن ذَهَبٍ وَيَلْبَسُونَ ثِيَاباً خُضْراً مِّن سُنْدُسٍ وَإِسْتَبْرَقٍ مُّتَّكِئِينَ فِيهَا عَلَى ٱلأَرَآئِكِ نِعْمَ ٱلثَّوَابُ وَحَسُنَتْ مُرْتَفَقاً }

قوله تعالى: { إِنَّ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ } الأية.

لما ذكر وعيد المبطلين، أردفه بوعد المحقِّين، وهذه الآية تدل على أنَّ العمل الصالح مغايرٌ للإيمان؛ لأنَّ العطف يوجب المغايرة.

قوله: { إِنَّا لاَ نُضِيعُ }: يجوز أن يكون خبر " إنَّ الَّذينَ " والرابط: إمَّا تكرر الظاهر بمعناه، وهو قول الأخفش، ومثله في الصلة جائزٌ، ويجوز أن يكون الرابط محذوفاً، أي: منهم، ويجوز أن يكون الرابط العموم، ويجوز أن يكون الخبر قوله: { أُوْلَـٰئِكَ لَهُمْ جَنَّاتُ } ويكون قوله: { إِنَّا لاَ نُضِيعُ } اعتراضاً، قال ابن عطية: ونحوه في الاعتراض قوله: [البسيط]
3517- إنَّ الخَلِيفَةَ إنَّ الله ألبَسهُ   سِربَالَ مُلكٍ بهِ تُزْجَى الخَواتِيمُ
قال أبو حيَّان: ولا يتعيَّنُ أن يكون " إنَّ الله ألبسَهُ " اعتراضاً؛ لجواز أن يكون خبراً عن " إنَّ الخليفة ". قال شهاب الدين: وابن عطيَّة لم يجعل ذلك معيَّناً بل ذكر أحد الجائزين فيه، ويجوز أن تكون الجملتان- أعني قوله: { إِنَّا لاَ نُضِيعُ } وقوله { أُوْلَـٰئِكَ لَهُمْ جَنَّاتُ } - خبرين لـ " إنَّ " عند من يرى جواز تعدد الخبر، وإن لم يكونا في معنى خبر واحد.

وقرأ الثقفيُّ " لا نُضيِّعُ " بالتشديد، عدَّاه بالتشديد، كما عدَّاه الجمهور بالهمزة.

وقيل: ولك أن تجعل " أولئك " كلاماً مستأنفاً بياناً للأجرِ المبهمِ.

فصل

قال ابن الخطيب: قوله: { إِنَّا لاَ نُضِيعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلاً } ظاهره يقتضي أنَّه استوجب المؤمن على الله بحسن عمله أجراً، وعندنا الاستيجاب حصل بحكم الوعد. وعند المعتزلة: بذات الفعل، وهو باطلٌ؛ لأنَّ نعم الله كثيرةٌ، وهي موجبةٌ للشكر والعبوديَّة، فلا يصير الشُّكر والعبودية بموجبٍ لثوابٍ آخر؛ لأنَّ أداء الواجب لا يوجبُ شيئاً آخر.

واعلم أنَّه تعالى، لمَّا أثبت الأجر المبهم، أردفه بالتفصيل، فبيَّن أولاً صفة مكانهم، فقال: { أُوْلَـٰئِكَ لَهُمْ جَنَّاتُ عَدْنٍ } والعدنُ في اللغة عبارة عن الإقامة، يقال: عدن بالمكان، إذا أقام به، فيجوز أن يكون المعنى: أولئك لهم جنات إقامة [كما يقال: دار إقامة]

ويجوز أن يكون العدن اسماً [الموضع] معيَّن في الجنَّة، وهو وسطها.

وقوله: " جنَّاتُ " اسم جمع، فيمكن أن يكون المراد ما قاله تعالىوَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ } [الرحمن: 46] ثم قال:وَمِن دُونِهِمَا جَنَّتَانِ } [الرحمن: 62] ويمكن أن يكون المراد نصيب كلِّ واحدٍ من المكلَّفين جنَّة على حدةٍ، ثم ذكر أنَّ من صفات تلك الجنات أنَّ الأنهار تجري من تحتها، وذلك لأنَّ أحسن مساكن الدنيا البساتين التي تجري فيها الأنهار، ثمَّ ذكر ثانياً أنَّ لباسهم فيها ينقسم قسمين: لباسُ التستُّر، ولباس التحلِّي.

فأمَّا لباس التحلِّي فقال: { يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِن ذَهَبٍ } فقيل: على كلِّ واحد منهم ثلاثة أسورة: سوارٌ من ذهبٍ لهذه الآية، وسوار من فضَّة؛ لقوله:

السابقالتالي
2 3