الرئيسية - التفاسير


* تفسير اللباب في علوم الكتاب/ ابن عادل (ت 880 هـ) مصنف و مدقق


{ وَلَبِثُواْ فِي كَهْفِهِمْ ثَلاثَ مِاْئَةٍ سِنِينَ وَٱزْدَادُواْ تِسْعاً } * { قُلِ ٱللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا لَبِثُواْ لَهُ غَيْبُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ أَبْصِرْ بِهِ وَأَسْمِعْ مَا لَهُم مِّن دُونِهِ مِن وَلِيٍّ وَلاَ يُشْرِكُ فِي حُكْمِهِ أَحَداً } * { وَٱتْلُ مَآ أُوْحِيَ إِلَيْكَ مِن كِتَابِ رَبِّكَ لاَ مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِهِ وَلَن تَجِدَ مِن دُونِهِ مُلْتَحَداً } * { وَٱصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ ٱلَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُم بِٱلْغَدَاةِ وَٱلْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلاَ تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ ٱلْحَيَاةِ ٱلدُّنْيَا وَلاَ تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَن ذِكْرِنَا وَٱتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطاً } * { وَقُلِ ٱلْحَقُّ مِن رَّبِّكُمْ فَمَن شَآءَ فَلْيُؤْمِن وَمَن شَآءَ فَلْيَكْفُرْ إِنَّا أَعْتَدْنَا لِلظَّالِمِينَ نَاراً أَحَاطَ بِهِمْ سُرَادِقُهَا وَإِن يَسْتَغِيثُواْ يُغَاثُواْ بِمَآءٍ كَٱلْمُهْلِ يَشْوِي ٱلْوجُوهَ بِئْسَ ٱلشَّرَابُ وَسَآءَتْ مُرْتَفَقاً }

قوله: { وَلَبِثُواْ فِي كَهْفِهِمْ ثَلاثَ مِاْئَةٍ سِنِينَ وَٱزْدَادُواْ تِسْعاً }.

قال قتادة: هذا من كلام القوم؛ لأنَّه تعالى قال:سَيَقُولُونَ ثَلاثَةٌ رَّابِعُهُمْ كَلْبُهُمْ } [الكهف: 22] إلى أن قال: { وَلَبِثُواْ فِي كَهْفِهِمْ ثَلاثَ مِاْئَةٍ } أي: إنَّ أولئك الأقوام، قالوا ذلك، ويؤيِّده قوله تعالى بعده { قُلِ ٱللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا لَبِثُواْ } وهذا يشبهُ الردَّ على الكلام المذكور قبله.

ويؤيِّده أيضاً ما ورد في مصحف عبد الله: (وقالوا ولبثوا في كهفهم).

وقال آخرون: هو كلام الله تعالى أخبر عن كميَّة هذه المدَّة.

وأما قوله: { سَيَقُولُونَ ثَلاثَةٌ رَّابِعُهُمْ كَلْبُهُمْ } فهو كلامٌ تقدَّم، وقد تخلَّل بينه وبين هذه الآية ما يوجبُ انقطاع أحدهما عن الآخر، وهو قوله: { فلا تمار فِيهمْ إلاَّ مِراءً ظَاهِراً }.

وقوله تعالى: { قُلِ ٱللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا لَبِثُواْ } لا يوجب أنَّ ما قبله حكاية؛ لأنَّه تعالى أراد بل الله أعلم بما لبثوا، فارجعوا إلى خبر الله دون ما يقوله أهل الكتاب، والمعنى أن الأمر في مدَّة لبثهم، كما ذكرنا، فإن نازعوك فيها، فأجبهم فقل: { اللَّهُ أعْلمُ بِما لَبِثُوا } أي: فهو أعلم منكم، وقد أخبر بمدَّة لبثهم.

وقيل: إنَّ أهل الكتاب قالوا: إنَّ المدَّة من لدن دخلوا الكهف إلى يومنا ثلاثمائة وتسع سنين، فردَّ الله عليهم، وقال: { قُلِ ٱللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا لَبِثُواْ } يعني بعد قبض أرواحهم إلى يومنا هذا، لا يعلمه إلاَّ الله.

قوله: { ثَلاثَ مِاْئَةٍ سِنِينَ }: قرأ الأخوان بإضافة " مِئةِ " إلى " سنين " والباقون بتنوين " مِئةٍ ".

فأمَّا الأولى: فأوقع فيها الجمع موقع المفرد؛ كقوله:بِٱلأَخْسَرِينَ أَعْمَالاً } [الكهف: 103]. قاله الزمخشريُّ يعني أنه أوقع " أعْمَالاً " موقع " عملاً " وقد أنحى أبو حاتمٍ على هذه القراءة ولا يلتفت إليه، وفي مصحف عبد الله " سنة " بالإفراد، وبها قرأ أبيّ، وقرأ الضحاك " سِنُونَ " بالواو على أنها خبر مبتدأ مضمرٍ، أي: هي سنُونَ.

وأمَّا الباقون، فلما لم يروا إضافة " مِئَة " إلى جمعٍ، نَوَّنُوا، وجعلوا " سِنينَ " بدلاً من " ثَلاثمائةٍ " أو عطف بيان.

قال البغويُّ: فإن قيل لِمَ قال: " ثلاثمائة سنين " ولم يقل سنة؟ فالجواب، لمَّا نزل قوله تعالى: { وَلَبِثُواْ فِي كَهْفِهِمْ ثَلاثَ مِاْئَةٍ } فقالوا: أيَّاماً، أو شهوراً، أو سنين، فنزلت " سنين ".

وقال الفراء: من العرب من يضع " سنين " موضع سنة.

ونقل أبو البقاء أنها بدل من " مِئَةٍ " لأنها في معنى الجمع. ولا يجوز أن يكون " سِنينَ " في هذه القراءة تمييزاً؛ لأنَّ ذلك إنما يجيء في ضرورةٍ مع إفرادِ التمييز؛ كقوله:
3507أ- إذَا عَاشَ الفَتَى مِئَتيْنِ عَاماً   فَقدْ ذَهبَ اللَّذاذَةُ والفَتَاءُ

السابقالتالي
2 3 4 5 6 7 8 9 10  مزيد