الرئيسية - التفاسير


* تفسير اللباب في علوم الكتاب/ ابن عادل (ت 880 هـ) مصنف و مدقق


{ وَلاَ تَقُولَنَّ لِشَاْىءٍ إِنِّي فَاعِلٌ ذٰلِكَ غَداً } * { إِلاَّ أَن يَشَآءَ ٱللَّهُ وَٱذْكُر رَّبَّكَ إِذَا نَسِيتَ وَقُلْ عَسَىٰ أَن يَهْدِيَنِ رَبِّي لأَقْرَبَ مِنْ هَـٰذَا رَشَداً }

وذلك أن أهل مكَّة سألوه عن الروح، وعن أصحاب الكهف، وعن ذي القرنين، فقال: أخبركم غداً، ولم يقل: إن شاء الله، فلبث الوحيُ أيَّاماً، ثم نزلت هذه الآية.

فصل

اعترض القاضي على هذا الكلام من وجهين:

الأول: أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم كان عالماً بأنَّه إذا أخبر أنه سيفعل الفعل الفلانيَّ غداً، فربَّما جاءته الوفاة قبل الغد، وربما عاقه عائقٌ عن ذلك الفعل غداً، وإذا كانت هذه الأمور محتملة، فلو لم يقل: إن شاء الله، خرج الكلام مخالفاً لما عليه، وذلك يوجب التنفير عنه.

أما إذا قال: " إن شاء الله تعالى " كان محترزاً عن هذا المحذور المذكور، وإذا كان كذلك، كان من البعيد أن يعد بشيءٍ، ولم يقل: إن شاء الله.

الثاني: أن هذه الآية مشتملةٌ على قواعد كثيرةٍ، وأحكام جمَّة، فيبعد قصرها على هذا السبب، إذ يمكن أن يجاب عن الأول بأنه لا يمتنع أن الأولى أن يقول: " إن شاء الله تعالى " ، إلاَّ أنه ربَّما اتَّفق له نسيان قول " إن شاء الله " لسبب من الأسباب، وكان ذلك من باب ترك الأولى والأفضل، وأنه يجاب عن الثاني بأنَّ اشتماله على الفوائد الكثيرةِ لا يمتنع أن يكون نزوله بسببٍ واحدٍ منها.

قوله: { إِلاَّ أَن يَشَآءَ ٱللَّهُ }: قال أبو البقاء: في المستثنى منه ثلاثة أوجهٍ:

أحدها: هو من النَّهي. والمعنى: لا تقولنَّ: أفعلُ غداً، إلاَّ أن يؤذن لك في القول.

الثاني: هو من " فاعلٌ " ، أي: لا تقولنَّ إني فاعل غداً؛ حتَّى تقرن به قول " إن شاء الله ".

والثالث: أنه منقطعٌ، وموضع " أن يشاء الله " نصب على وجهين:

أحدهما: على الاستثناء، و التقدير: لا تقولنَّ ذلك في وقتٍ إلاَّ وقت أن يشاء الله، أي: يأذن، فحذف الوقت، وهو المراد.

الثاني: هو حالٌ، والتقدير: لا تقولنَّ: أفعل غداً إلا قائلاً: " إن شاء الله " وحذف القول كثير، وقيل: التقدير إلاَّ بأن يشاء الله، أي: إلاَّ ملتبساً بقول: " إن شاء الله ".

وقد ردَّ الزمخشريُّ الوجه الثاني، فقال: " إلاَّ أن يشاءَ " متعلقٌ بالنهي، لا بقوله " إنِّي فاعلٌ " لأنه لو قال: إني فاعل كذا إلا أن يشاء الله، كان معناه: إلا أن تعترض مشيئة الله دون فعله، وذلك ممَّا لا مدخل فيه للنهي.

معناه أنَّ النهي عن مثل هذا المعنى، لا يحسن.

ثم قال: " وتعلُّقهُ بالنهي من وجهين:

أحدهما: ولا تقولنَّ ذلك القول، إلا أن يشاء الله أن تقوله بأن يأذن لك فيه.

والثاني: ولا تقولنَّه إلاَّ بأن يشاء الله، أي: إلاَّ بمشيئته، وهو في موضع الحال، أي: ملتبساً بمشيئة الله، قائلاً إن شاء الله.

السابقالتالي
2 3