الرئيسية - التفاسير


* تفسير اللباب في علوم الكتاب/ ابن عادل (ت 880 هـ) مصنف و مدقق


{ وَكَذٰلِكَ بَعَثْنَاهُمْ لِيَتَسَآءَلُوا بَيْنَهُمْ قَالَ قَائِلٌ مِّنْهُمْ كَم لَبِثْتُمْ قَالُواْ لَبِثْنَا يَوْماً أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ قَالُواْ رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَا لَبِثْتُمْ فَٱبْعَثُواْ أَحَدَكُمْ بِوَرِقِكُمْ هَـٰذِهِ إِلَىٰ ٱلْمَدِينَةِ فَلْيَنْظُرْ أَيُّهَآ أَزْكَىٰ طَعَاماً فَلْيَأْتِكُمْ بِرِزْقٍ مِّنْهُ وَلْيَتَلَطَّفْ وَلاَ يُشْعِرَنَّ بِكُمْ أَحَداً } * { إِنَّهُمْ إِن يَظْهَرُواْ عَلَيْكُمْ يَرْجُمُوكُمْ أَوْ يُعِيدُوكُمْ فِي مِلَّتِهِمْ وَلَن تُفْلِحُوۤاْ إِذاً أَبَداً }

قوله: { وَكَذَٰلِكَ بَعَثْنَاهُمْ }: الكاف نعت لمصدر محذوف، أي: كما أنمناهم تلك النَّومةَ، كذلك بعثناهم؛ ادِّكاراً بقدرته، والإشارة بـ " ذلِكَ " إلى المصدر المفهوم من قوله " فَضرَبْنَا " ، أي: مثل جعلنا إنامتهم هذه المدة المتطاولة آية، جعلنا بعثهم آية، قاله الزجاج والزمخشريُّ.

قوله: { لِيَتَسَآءَلُوا بَيْنَهُمْ } متعلقة بالبعث، وقيل: هي للصَّيرورة؛ لأن البعث لم يكن للتساؤل، قاله ابن عطيَّة، والصحيح أنَّها على بابها من السببية.

قوله: { كَمْ لَبِثْتُمْ } " كم " منصوبة على الظرف، والمميز محذوف، تقديره: كم يوماً؛ لدلالةِ الجواب عليه، و " أوْ " في قوله: { أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ } للشكِّ منه، وقيل: للتفصيل، أي: قال بعضهم كذا، وبعضهم كذا.

فصل

المعنى كما أنمناهم في الكهف، وحفظنا أجسامهم من البلى، طول الزمان، فكذلك بعثناهم من النَّوم الذي يشبه الموت؛ { لِيَتَسَآءَلُوا بَيْنَهُمْ } ليسأل بعضهم بعضاً، واللام لام العاقبة؛ لأنَّهم لم يبعثوا للسُّؤال.

فإن قيل: هل يجوز أن يكون الغرض من بعثهم أن يتساءلوا ويتنازعوا؟.

فالجواب: لا يبعد ذلك؛ لأنَّهم إذا تساءلوا، انكشف لهم من قدرة الله أمورٌ عجيبةٌ، وذلك أمرٌ مطلوبٌ.

قاله ابن الخطيب.

ثم قال تعالى: { قَالَ قَائِلٌ مِّنْهُمْ } وهو رئيسهم، واسمه مكسلمينا: { كَمْ لَبِثْتُمْ } في نومكم، أي: كم مقدار لبثنا في هذا الكهف { قَالُواْ لَبِثْنَا يَوْماً أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ }.

قال المفسرون: إنهم دخلوا الكهف غدوة وبعثهم الله في آخر النَّهار؛ فلذلك قالوا: يوماً، فلما رأوا الشمس، قالوا: أو بعض يوم، فلما نظروا إلى شعورهم وأظفارهم " قَالُوا " أي: علموا أنَّهم لبثوا أكثر من يوم: { قَالُواْ رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَا لَبِثْتُمْ }.

قيل: إنَّ رئيسهم مكسلمينا، لما [رأى] الاختلاف بينهم قال: دعوا الخلاف.

قوله: { فَٱبْعَثُواْ أَحَدَكُمْ بِوَرِقِكُمْ هَـٰذِهِ } يعني يمليخا، قاله ابن عباس.

قوله: " بورِقكُمْ " حال من " أحَدكُمْ " ، أي: مصاحباً لها، وملتبساً بها، وقرأ أبو عمرو، وحمزة، وأبو بكر بفتح الواو وسكون الراء والفكِّ، وباقي السبعة بكسر الراء، والكسر هو الأصل، والتسكين [تخفيف] كـ " نَبْق " في نَبِق، وحكى الزجاج كسر الواو، وسكون الراء، وهو نقلٌ، وهذا كما يقال: كَبِدٌ وكَبْدٌ وكِبْدٌ.

وقرأ أبو رجاء، وابن محيصن كذلك، إلاَّ أنه بإدغام الفاق، واستضعفوها من حيث الجمع بين ساكنين على غير حدَّيهما، وقد تقدَّم ذلك في المتواتر ما يشبهُ هذه من نحوتُسْأَلُونَ عَمَّا } [في الآية: 134 من البقرة] ولاَ تَعْدُواْ فِي ٱلسَّبْتِ } [النساء: 154] والخُلْدِ جَزَآءً } [فصلت: 38] وفِي ٱلْمَهْدِ صَبِيّاً } [مريم: 29] وروي عن ابن محيصن؛ أنَّه لمَّا أدغم كسر الراء فراراً ممَّا ذكرنا.

وقرأ أمير المؤمنين " بوارقكم " اسم فاعلٍ، أي: صاحب ورقٍ، كـ " لابنٍ " وقيل: هو اسم جمع كجاملٍ وباقرٍ.

السابقالتالي
2