الرئيسية - التفاسير


* تفسير اللباب في علوم الكتاب/ ابن عادل (ت 880 هـ) مصنف و مدقق


{ وَتَرَى ٱلشَّمْسَ إِذَا طَلَعَت تَّزَاوَرُ عَن كَهْفِهِمْ ذَاتَ ٱلْيَمِينِ وَإِذَا غَرَبَت تَّقْرِضُهُمْ ذَاتَ ٱلشِّمَالِ وَهُمْ فِي فَجْوَةٍ مِّنْهُ ذٰلِكَ مِنْ آيَاتِ ٱللَّهِ مَن يَهْدِ ٱللَّهُ فَهُوَ ٱلْمُهْتَدِ وَمَن يُضْلِلْ فَلَن تَجِدَ لَهُ وَلِيّاً مُّرْشِداً }

قوله: { وَتَرَى ٱلشَّمْسَ } أي: أنت أيُّها المخاطب، وليس المراد أنَّ من خوطب بهذا يرى هذا المعنى، ولكنَّ العادة في المخاطبة تكون على هذا النحو.

قوله: { إِذَا طَلَعَت تَّزَاوَرُ عَن كَهْفِهِمْ }.

قرأ ابن عامر ويعقوب " تَزْوَرُّ " بسكون الزاي بزنة تَحْمَرُّ.

والكوفيون " تَزاوَرُ " بتخفيف الزاي، والباقون بتثقيلها، فـ " تَزْورُّ " بمعنى " تميلُ " من الزَّورِ، وهو الميل، و " زاره " بمعنى " مال إليه " وقول الزُّور: ميلٌ عن الحق، ومنه الأزورُ، وهو المائلُ بعينه وبغيرها، قال عمر بن أبي ربيعة: [الطويل]
3494-................   وجَنْبِي خِيفَةَ القَوْمِ أزْوَرُ
وقيل: تَزورُّ بمعنى تنقبضُ من " ازْوَرَّ " أي: انقبض، ومنه قول عنترة: [الكامل]
3495- فَازْوَرَّ من وقْع القَنا بِلبَانهِ   وشَكَا إليَّ بِعبْرةٍ وتَحمْحُمِ
وقيل: مال، ومثله قول بشر بن أبي خازم: [الوافر]
3496- يُؤمُّ بِهَا الحُداةُ مِياهَ نَخْلٍ   وفِيهَا عن أبَانيْنِ ازْوِرَارُ
أي: ميلٌ.

وأما " تَزاوَرُ " و " تزَّاوَرُ " فأصلهما " تَتزاورُ " بتاءين، فالكوفيون حذفوا إحدى التاءين، وبعضهم أدغم، وقد تقدَّم نظائر هذا فيتَظَاهَرُونَ } [الآية: 85 من البقرة] وتَسَآءَلُونَ } [النساء: 1] ونحوهما، ومعنى ذلك الميل أيضاً.

وقرأ أبو رجاء، والجحدريُّ، وابن أبي عبلة، وأيوبُ السَّختيانيُّ " تَزوَارُّ " بزنة " تحْمَارُّ " وعبد الله، وأبو المتوكل " تَزوَئِرُّ " بهمزة مكسورة قبل راء مشددة، وأصلها " تَزوَارُّ " كقراءة أبي رجاء، ومن معه، وإنما كرهَ الجمع بين الساكنين، فأبدل الألف همزة على حدِّ إبدالها فيٱلْجَآنَّ } [الرحمن: 15] وٱلضَّآلِّينَ } [الفاتحة: 7]. وقد تقدم تحقيقه آخر الفاتحة.

و " إذا طلعت " معمول لـ " ترى " أو لـ " تَزاوَرُ " وكذا " إذا غَربَتْ " معمولٌ للأول، أو للثاني، وهو " تَقْرِضُهمْ " والظاهر تمحّضهُ للظرفيةِ، ويجوز أن تكون شرطية.

ومعنى " تَقْرضُهمْ ": تقطعهم، لا تقربهم؛ إذ القرض القطع؛ من القطيعة والصَّرم، قال ذو الرمَّة: [الطويل]
3497- إلى ظُعنٍ يَقْرضْن أقْوازَ مُشرِفٍ   شِمَالاً، وعنْ أيْمانِهنَّ الفَوارِسُ
والقَرْضُ: القطعُ، وتقدم تحقيقه في البقرة، وقال الفارسي: " معنى تقرضهم: تعطيهم من ضوئها شيئاً، ثم تزول سريعاً، كالقرض يستردُّ " وقد ضعِّف قوله؛ بأنه كان ينبغي أن يقرأ " تُقرضُهمْ " بضمِّ التاء، لأنه من أقرضَ.

وقرىء " يَقْرضُهمْ " بالياء من تحت، أي: الكهف، وفيه مخالفةٌ بين الفعلين وفاعلهما، فالأولى أن يعود على الشمس، ويكون كقوله: [المتقارب]
3498-................   ولا أرْضَ أبْقلَ إبْقَالهَا
وهو قول ابن كيسان.

و " ذات اليمينِ " و " ذاتَ الشِّمالِ " ظرفا مكانٍ بمعنى جهة اليمين، وجهة الشِّمال.

فصل

قال المفسرون: " تَزاوَرُ " بمعنى " تَمِيلُ " وتعدل عن كهفهم { ذَاتَ ٱلْيَمِينِ } ، أي: جهة ذات اليمين، وأصله أنَّ ذات اليمين صفة أقيمت مقام الموصوف؛ لأنَّها تأنيث " ذو " في قولهم: " رجلٌ ذُو مالٍ، وامرأةٌ ذات مالٍ "؛ فكأنَّه قال: تَزاورُ عن كهفهم جهة ذات اليمين، { وَإِذَا غَرَبَت تَّقْرِضُهُمْ ذَاتَ ٱلشِّمَالِ }.

السابقالتالي
2