الرئيسية - التفاسير


* تفسير اللباب في علوم الكتاب/ ابن عادل (ت 880 هـ) مصنف و مدقق


{ نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ نبَأَهُم بِٱلْحَقِّ إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ آمَنُواْ بِرَبِّهِمْ وَزِدْنَاهُمْ هُدًى } * { وَرَبَطْنَا عَلَىٰ قُلُوبِهِمْ إِذْ قَامُواْ فَقَالُواْ رَبُّنَا رَبُّ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ لَن نَّدْعُوَاْ مِن دُونِهِ إِلـٰهاً لَّقَدْ قُلْنَا إِذاً شَطَطاً } * { هَـٰؤُلاۤءِ قَوْمُنَا ٱتَّخَذُواْ مِن دُونِهِ آلِهَةً لَّوْلاَ يَأْتُونَ عَلَيْهِم بِسُلْطَانٍ بَيِّنٍ فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ ٱفْتَرَىٰ عَلَى ٱللَّهِ كَذِباً } * { وَإِذِ ٱعْتَزَلْتُمُوهُمْ وَمَا يَعْبُدُونَ إِلاَّ ٱللَّهَ فَأْوُوا إِلَى ٱلْكَهْفِ يَنْشُرْ لَكُمْ رَبُّكُم مِّن رَّحْمَتِهِ وَيُهَيِّئْ لَكُمْ مِّنْ أَمْرِكُمْ مِّرْفَقاً }

قوله: { نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ نبَأَهُم بِٱلْحَقِّ } [أي: نقص عليك نبأهم] على وجه الصدق.

قوله: { إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ } شبَّان { ءَامَنُواْ بِرَبِّهِمْ وَزِدْنَاهُمْ هُدًى } إيماناً وبصيرة.

وقوله: { ءَامَنُواْ بِرَبِّهِمْ }: فيه التفاتٌ من التكلم إلى الغيبة؛ إذ لو جاء على نسقِ الكلامِ، لقيل: إنَّهم فتيةٌ آمنوا بنا، وقوله: " وَزِدْنَاهُم " التفات من هذه الغيبة إلى التكلم أيضاً.

ومعنى قوله: " ورَبَطْنَا " وشددنا " عَلى قُلوبِهمْ " بالصَّبْر والتثبت، وقوَّيناهم بنور الإيمان، حتَّى صبروا على هجران ديار قومهم، ومفارقة ما كانوا فيه من خفض العيش، وفرُّوا بدينهم إلى الكهف، والرَّبطُ: استعارةٌ لتقوية كلمة في ذلك المكان الدَّحض.

قوله: { إِذْ قَامُواْ }: منصوب بـ " رَبَطْنَا ". وفي هذا القيام أقوالٌ:

أحدها: قال مجاهدٌ: كانوا عظماء مدينتهم، فخرجوا، فاجتمعوا وراء المدينة من غير ميعادٍ، فقال أكبرهم: إنِّي لأجد في نفسي شيئاً، إنَّ ربِّي ربُّ السموات والأرض، فقالوا: نحن كذلك نجد في أنفسنا، فقاموا جميعاً، فقالوا: { رَبُّنَا رَبُّ ٱلسَّمَٰوَاتِ وَٱلأَرْضِ }.

والثاني: أنَّهم قاموا بين يدي ملكهم دقيانوس، حين عاتبهم على ترك عبادة الصَّنم، { فَقَالُواْ رَبُّنَا رَبُّ ٱلسَّمَٰوَاتِ وَٱلأَرْضِ لَن نَّدْعُوَاْ مِن دُونِهِ إِلـٰهاً } فثبت الله هؤلاء الفتية وعصمهم، حتَّى عصوا ذلك الجبَّار، وأقرُّوا بربوبيَّة الله تعالى.

الثالث: قال عطاءٌ ومقاتلٌ: إنهم قالوا ذلك عند قيامهم من النَّوم، وهذا بعيدٌ؛ لأنَّ الله تعالى استأنف قصَّتهم فقال: { نَّحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ نَبَأَهُم }.

قوله: { لَّقَدْ قُلْنَآ إِذاً شَطَطاً }.

" إذن " جواب وجزاء، أي: لقد قلنا قولاً شططاً، إن دعونا من دونه إلهاً، و " شططاً " في الأصل مصدر، يقال: شطَّ شططاً وشُطُوطاً، أي: جار وتجاوز حدَّه، ومنه: شطَّ في السَّوم، وأشطَّ، أي: جاوز القدر حكاه الزجاج وغيره، ومن قوله: " ولا تشطط " وشطَّ المنزلُ: أي بعد، [من ذلك] وشطَّت الجارية شطاطاً أي: طالت، من ذلك.

فصل

قال الفراء: ولم أسمع إلا " أشطَّ يُشطُّ إشطاطاً " فالشطُّ البعد عن الحقِّ.

قال ابن عباس: " شَطَطاً " أي: جوراً.

وقال قتادة: كذباً. وفي انتصابه ثلاثة أوجه:

الأول: مذهب سيبويه النصب على الحال، من ضمير مصدر " قُلْنَا ".

الثاني: نعت لمصدر، أي: قولاً ذا شططٍ، أو هو الشَّططُ نفسه؛ مبالغة.

الثالث: أنه مفعول بـ " قُلنا " لتضمُّنه معنى الجملة.

قوله: { هَـٰؤُلاۤءِ قَوْمُنَا ٱتَّخَذُواْ }: يجوز في " قَوْمنَا " أن يكون بدلاً، أو بياناً، و " اتَّخذُوا " هو خبر " هؤلاء " ويجوز أن يكون " قَوْمُنا " هو الخبر، و " اتَّخذوا " حالاً، و " اتَّخذ " يجوز أن يتعدى لواحد؛ بمعنى " عملوا " لأنهم نحتوها بأيديهم، ويجوز أن تكون متعدية لاثنين؛ بمعنى " صيَّروا " و " مِن دونه " هو الثاني قدِّم، و " آلهة " هو الأول، وعلى الوجه الأول يجوز في " من دونه " أن يتعلق بـ " اتَّخذُوا " وأن يتعلق بمحذوفٍ حالاً من " آلهة " إذ لو تأخَّر، لجاز أن يكون صفة لـ " آلهة ".

السابقالتالي
2 3