الرئيسية - التفاسير


* تفسير اللباب في علوم الكتاب/ ابن عادل (ت 880 هـ) مصنف و مدقق


{ إِنَّ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ كَانَتْ لَهُمْ جَنَّاتُ ٱلْفِرْدَوْسِ نُزُلاً } * { خَالِدِينَ فِيهَا لاَ يَبْغُونَ عَنْهَا حِوَلاً } * { قُل لَّوْ كَانَ ٱلْبَحْرُ مِدَاداً لِّكَلِمَاتِ رَبِّي لَنَفِدَ ٱلْبَحْرُ قَبْلَ أَن تَنفَدَ كَلِمَاتُ رَبِّي وَلَوْ جِئْنَا بِمِثْلِهِ مَدَداً } * { قُلْ إِنَّمَآ أَنَاْ بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ يُوحَىٰ إِلَيَّ أَنَّمَآ إِلَـٰهُكُمْ إِلَـٰهٌ وَاحِدٌ فَمَن كَانَ يَرْجُواْ لِقَآءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صَالِحاً وَلاَ يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدَاً }

قوله تعالى: { إِنَّ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ } الآية.

لما ذكر وعيد الكفَّار، ونزلهم، أتبعه بوعيدِ المؤمنين ونزلهم. قال قتادة: الفِرْدَوس: وسطُ الجنَّة، وأفضلها.

وعن كعبٍ: ليس في الجنانِ أعلى من جنَّة الفردوس، وفيها الآمرون بالمعروف، والنَّاهون عن المنكر.

وعن مجاهدٍ: الفردوسُ: هو البستان، بالرومية.

وقال عكرمة: هو الجنَّة بلسان الحبش.

وقال الزجاج: هو بالروميَّة منقولٌ إلى لفظ العربيَّة.

وقال الضحاك: هي الجنَّة الملتفَّة الأشجارِ.

وقيل: هي التي تنبت ضروباً من النَّبات.

وقيل: الفردوس: الجنَّة من الكرم خاصَّة.

وقيل: ما كان عاليها كرماً.

وقيل: كلُّ ما حُوِّط عليه، فهو فردوس.

وقال المبرِّد: الفردوس فيما سمعتُ من العرب: الشَّجرُ الملتفُّ، والأغلب عليه: أن يكون من العنب، واختلفوا فيه:

فقيل: هو عربيٌّ، وقيل: هو أعجميٌّ، وقيل: هو روميٌّ، أو فارسيٌّ، أو سرياني، قيل: ولم يسمعْ في كلام العرب إلاَّ في قوله حسَّان: [الطويل]
3572- وإنَّ ثَوابَ الله كُلَّ مُوحِّدٍ   جِنَانٌ من الفِرْدوس فيهَا يَخُلَّدُ
وهذا ليس بصحيح؛ لأنَّه سمع في شعر أميَّة بن أبي الصَّلت: [البسيط]
3573- كَانَتْ مَنازِلهُمْ إذ ذَاكَ ظَاهِرةً   فيهَا الفَراديسُ ثمَّ الثُّومُ والبَصَلُ
ويقال: كرمٌ مفردسٌ، أي: معرِّش، ولهذا سمِّيت الروضة التي دون اليمامةِ فردوساً.

وإضافة جنَّاتٍ إلى الفردوس إضافة تبيينٍ، وجمعه فراديسُ؛ قال - عليه الصلاة والسلام -: " في الجنَّة مائةُ درجةٍ ما بَيْنَ كلِّ درجةٍ مسيرةُ مائة عامٍ، والفِردوسُ أعلاها درجةً، وفيها الأنهارُ الأربعة، والفِرْدَوسُ من فَوْقِهَا، فإذا سَألتمُ الله تعالى، فاسْألُوهُ الفِرْدوسَ؛ فإنَّ فوقها عَرْشُ الرَّحمنِ، ومِنْهَا تُفجَّرُ أنهارُ الجنَّة ".

قوله: " نُزُلاً ": فيه ما تقدَّم: من كونه اسم مكان النزول، أو ما يعدُّ للضَّيف، وفي نصبه وجهان:

أحدهما: أنه خبر " كَانَتْ " و " لهُمْ " متعلقٌ بمحذوفٍ على أنَّه حالٌ من " نُزلاً " أو على البيان، أو بـ " كَانَتْ " عند من يرى ذلك.

والثاني: أنه حالٌ من " جنَّات " أي: ذوات نُزُلٍ، والخبر الجارُّ.

وإذا قلنا بأنَّ النُّزل هو ما يهيَّأ للنَّازل، فالمعنى: كانت لهم ثمارٌ جنَّات الفردوس، ونعيمها نزلاً، ومعنى " كَانتْ لَهُمْ " أي: في علم الله قبل أن يخلقوا.

قوله: { لاَ يَبْغُونَ }: الجملة حال: إمَّا من صاحب " خَالِدينَ " وإمَّا من الضمير في " خَالِدِينَ " فتكون حالاً متداخلة.

والحِوَلُ: قيل: مصدر بمعنى " التَّحَوُّل " يقال: حال عن مكانه حِوَلاً؛ فهو مصدر؛ كالعِوَج، والعِوَد، والصِّغر؛ قال: [الرجز]
3574- لِكُلِّ دَولةٍ أجَلْ   ثم يُتَاحُ لهَا حِوَلْ
والمعنى: لا يطلبون عنها تحوُّلاً إلى غيرها؟

وقال الزجاج: " هو عند قومٍ بمعنى الحيلة في التنقُّل " وقال ابن عطيَّة: " والحِوَلُ: بمعنى التَّحول؛ قال مجاهد: مُتحوَّلاً " وأنشد الرَّجز المتقدم، ثم قال: " وكأنَّه اسمُ جمعٍ، وكأنَّ واحده حوالةٌ " قال شهاب الدين: وهذا غريبٌ، والمشهور الأول، والتصحيح في " فِعَلٍ " هو الكثير، إن كان مفرداً؛ نحو: " الحِوَلِ " وإن كان جمعاً، فالعكس؛ نحو: " ثِيرَة " و " كِبَرة ".

السابقالتالي
2 3 4