الرئيسية - التفاسير


* تفسير اللباب في علوم الكتاب/ ابن عادل (ت 880 هـ) مصنف و مدقق


{ أَفَحَسِبَ ٱلَّذِينَ كَفَرُوۤاْ أَن يَتَّخِذُواْ عِبَادِي مِن دُونِيۤ أَوْلِيَآءَ إِنَّآ أَعْتَدْنَا جَهَنَّمَ لِلْكَافِرِينَ نُزُلاً } * { قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُم بِٱلأَخْسَرِينَ أَعْمَالاً } * { ٱلَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي ٱلْحَيَاةِ ٱلدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعاً } * { أُوْلَـٰئِكَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ بِآيَاتِ رَبِّهِمْ وَلِقَائِهِ فَحَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فَلاَ نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ وَزْناً } * { ذَلِكَ جَزَآؤُهُمْ جَهَنَّمُ بِمَا كَفَرُواْ وَٱتَّخَذُوۤاْ آيَاتِي وَرُسُلِي هُزُواً }

قوله تعالى: { أَفَحَسِبَ ٱلَّذِينَ كَفَرُوۤاْ } الآية.

لما بيَّن إعراض الكافرين عن الذِّكر، وعن سماع ما جاء به رسول الله صلى الله عليه وسلم أتبعه بقوله: { أَفَحَسِبَ ٱلَّذِينَ كَفَرُوۤاْ }.

والمعنى: أفظنَّ الذين كفروا أن ينتفعوا بما عبدوه.

والمراد بقوله: { أَن يَتَّخِذُواْ عِبَادِي مِن دُونِيۤ أَوْلِيَآءَ }: أرباباً، يريد بالعباد: عيسى، والملائكة.

وقيل: هم الشياطين يتولَّونهم ويطيعُونَهُم.

وقيل: هم الأصنام، سمَّاها عباداً؛ كقوله:عِبَادٌ أَمْثَالُكُمْ } [الأعراف: 194]. وهو استفهام توبيخ.

قوله: { أَفَحَسِبَ }: العامة على كسر السين، وفتح الباء؛ فعلاً ماضياً، و { أَن يَتَّخِذُواْ } سادٌّ مسدَّ المفعولين، وقرأ أميرُ المؤمنين عليُّ بنُ أبي طالب، وزيد بن عليٍّ، وابن كثيرٍ، ويحيى بن يعمر في آخرين، بسكون السين، ورفع الباء على الابتداء، والخبر " أنْ " وما في حيِّزها.

والمعنى: أفكافيهم، وحسيبهم أن يتَّخذوا كذا وكذا.

وقال الزمخشريُّ: " أو على الفعل والفاعل؛ لأن اسم الفاعل، إذا اعتمد على الهمزة، ساوى الفعل في العمل؛ كقولك: " أقَائمٌ الزَّيدانِ " وهي قراءة محكيَّةٌ جيِّدةٌ ".

قال أبو حيَّان: " والذي يظهر أنَّ هذا الإعراب لا يجوزُ؛ لأنَّ حسباً ليس باسم فاعلٍ، فيعمل، ولا يلزم من تفسير شيءٍ بشيء: أن يجرى عليه أحكامه، وقد ذكر سيبويه أشياء من الصِّفات التي تجري مجرى الأسماء، وأنَّ الوجه فيها الرفع، ثم قال: وذلك نحو: مرَرْتُ برجلٍ خير منه أبوهُ، ومررتُ برجلٍ سواءٍ عليه الخير والشر، ومررت برجلٍ اب لهُ صاحبه، ومررتُ برجلٍ حسبك من رجلٍ هو، ومررتُ برجلٍ أيِّما رجلٍ هو ". ثم قال أبو حيان: " ولا يبعُد أن يرفع به الظاهر، فقد أجازوا في " مررتُ برجلٍ أبي عشرةٍ أبوه " أن يرتفع " أبوهُ " بـ " أبِي عشرةٍ " لأنه في معنى والدِ عشرةٍ ".

قوله: " نُزُلاً " فيه أوجهٌ:

أحدها: أنه منصوب على الحال، جمع " نَازِلٍ " نحو شارفٍ، وشُرفٍ.

الثاني: أنه اسم موضع النُّزولِ. قال ابن عباس: " مَثوَاهُمْ " وهو قول الزجاج.

الثالث: أنَّه اسمُ ما يعدُّ للنازلين من الضُّيوف، أي: معدة لهم؛ كالمنزلِ للضَّيف، ويكون على سبيل التهكُّم بهم، كقوله تعالى:فَبَشِّرْهُم بِعَذَابٍ أَلِيمٍ } [آل عمران: 21] وقوله: [الوافر]
3568-..............   تَحيَّةُ بينهم ضَرْبٌ وجِيعُ
ونصبه على هذين الوجهين مفعولاً به، أي: صيَّرنا.

وأبو حيوة " نُزْلاً " بسكون الزاي، وهو تخفيف الشَّهيرة.

قوله: { قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُم بِٱلأَخْسَرِينَ أَعْمَالاً }.

يعني: الَّذينَ أتعبوا أنفسهم في عملٍ يرجون به فضلاً ونوالاً، فنالُوا هلاكاً وبواراً.

قال ابن عباس، وسعد بن أبي وقَّاصٍ: هم اليهود والنَّصارى.

وهو قول مجاهدٍ.

وقيل: هم الرهبانُ الذين حبسوا أنفسهم في الصَّوامع؛ كقوله تعالى:عَامِلَةٌ نَّاصِبَةٌ }

السابقالتالي
2 3